فقال المعزّ ( ص ) : ولو كان هذا هكذا لم يكن ما قال اللَّه ( عج ) : * ( « ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ [1] » ) * . إنّ الجاهل لا يعلم إلَّا الجهل والمفضول لا يبلغ أهل الفضل ، وما أتى أكثر من يؤتى ممّن انتحل أمرنا إلَّا من قبل هذا الوجه من قوم قد ضلَّوا فأضلَّوا كثيرا عن سواء السبيل . فقلت : يا مولاي ، لقد سألني المنصور ( ص ) يوما عن مثل هذا فقال لي : يا نعمان ، أخبرني عن هؤلاء الذين كان المهديّ قد قتل بعضهم / وخلَّد آخرين في السّجن ممّن تقلَّد عهده من أهل إفريقيّة لما اتّصل به عنهم من القول بالإباحات ، أعندك في ذلك علم من دعاتهم أو سمعت من أحدهم شيئا من ذلك ؟ فقلت : يا مولاي ، لم أسمعه ، وقد سمعته . قال : وكيف ذلك ؟ قلت : كان الدعاة يومئذ عامّتهم لا يعرفون شيئا من ظاهر دين اللَّه ( عج ) من حلال وحرام ، وكانوا يأنفون أن يعترفوا بالجهل لشيء يسألون عنه ، فما أحصي ما سمعت عن واحد من أكابرهم يسأل عن شيء من ذلك مثل طهارة أو صلاة أو صوم أو غير ذلك من فرائض الدّين وأحكامه وحلاله وحرامه ، فإذا سأله السائل عن ذلك / انتهره وأغلظ عليه ، وقال : ما سؤالك عن هذا المحال من الظاهر وتدع علم الباطن ؟ ( قلت ) فإذا سمع هذا من يميّز حالهم ويعرف تخلَّفهم وأنّ ذلك منهم بجهلهم بما يسألون عنه ، وعلم ما يأخذونه في العهد الذي في أيديهم من إقامة ظاهر دين اللَّه وباطنه ، ثبت على ما هو عليه ، وألقى قولهم هذا . ومن كان من أهل التخلَّف وغلبت الشهوات عليهم والشّقوة مثل أولئك ، تأوّلوا قولهم هذا في إسقاط الظاهر كلَّه . وذكرت له كلاما كثيرا بلغني عن كثير منهم . فتهوّل ذلك وأكبره وقال : أجل ، لمن مثل هذا وأشباهه هلك كثير . فقال لي المعزّ ( ص ) : أفمثل هؤلاء يقال / لهم دعاة إلينا بل واللَّه هم الصادّون عن اللَّه ( عج ) وعنّا ، وما دعا إلينا من خالف أمرنا وتقوّل علينا وقال