عليه حينئذ لمّا قام بولاية عليّ ( عم ) وأجاب المسلمون ما عقده له : * ( « الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ورَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً [1] » ) * . فقال : نعم ، كذلك كان الأمر . قلت : وقد جاء عن أبي جعفر محمّد بن عليّ ( صع ) أنّه قيل له إنّ بعض اليهود سمع قول اللَّه تعالى * ( « الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي / ورَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً » ) * ، فقال اليهوديّ : لو نزل مثل هذا علينا لاتّخذنا هذا اليوم عيدا . قال أبو جعفر : لقد نزل ذلك في يوم عيدين : نزل في يوم عرفة . ووقع يوم جمعة [2] . قلت : ويوم عرفة يوم تسعة من ذي الحجّة ، فكأنّ ذلك - على الحديث - نزل قبل يوم الغدير بتسعة أيّام . فتبسّم ( صع ) وقال : فما قلت أنت في ذلك ؟ قلت : ما ذهب وهمي في ذلك أنّ قول رسول اللَّه ( صلع ) : خلَّفت فيكم ما إن تمسّكتم به بعدي لن تضلَّوا : كتاب اللَّه وعترتي أهل بيتي - قال هذا يوم عرفة - أنزل فوجبت به الولاية ، وفسّرها بعد ذلك يوم الغدير [3] . فقال : لا ، ولكن كان في يوم عرفة كما قال أبو / جعفر ( عم ) . وذكر تأويل عرفة فتبيّن لي الأمر ، وصحّ الحديثان [4] .
[1] المائدة ، 3 . [2] وهو قول عمر بن الخطاب أيضا وابن عباس . انظر تفسير الطبري في طبعة دار المعارف بالقاهرة ج 9 ص 524 عدد 11095 و 11097 . ولكنهما لم يشيرا إلى حديث الغدير هذا ، الذي اعتبره أتباع علي نصا على ولايته . ومعلوم أن جمهور السنة ينكرون هذا النص . وكذلك المعتزلة : انظر ما كتبه الجاحظ في كتاب العثمانية ص 176 من طبعة عبد السلام هارون . [3] الكلام هنا مختل التركيب أو غامض المعنى . وفهمنا نحن أن النعمان كان يظن أن حديث العترة المنتخبة قيل يوم عرفة ، وجاء حديث الغدير مؤيدا له ، مؤسسا مبدأ الولاية لعلي . ولم يربط النعمان الصلة بين آية إكمال الدين وإتمام النعمة وحديث الغدير ، وهو أمر لم يغفله مفسرو الشيعة ، ومنهم محمد حسين الطباطبائي في تفسير الميزان ، مجلد 5 ص 176 إذ يقول : « وهذا يؤيد أن الآية نزلت يوم غدير خم ، وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة سنة عشر للهجرة في أمر ولاية علي عليه السلام » ( الطبعة الثانية ، بيروت 1974 ) . وانظر فصل « غدير خم » في دائرة المعارف الإسلامية . [4] قد احتفظ النعمان بهذا التأويل لنفسه ولخاصة الأولياء ، ولم يفصح عن حقيقة التضارب بين الأثرين : أكانت الوصية يوم عرفة أم بعد الفراغ من مناسك الحج ، في طريق العودة إلى دار الهجرة ؟