وعلم النجوم والفلسفة ، وله باع طويل في المباحث اللغويّة أيضا [1] . وهو صاحب اختراعات عجيبة لم يسبق إليها كالقلم الخازن للحبر [2] ، وله معرفة بتركيب الأدوية . وهو متضلَّع في الفقه يجيب عن قضايا عويصة ، ولا غرابة ، فإنّ هذا العلم يرثه وراثة كما يرث الخلافة ، وهو العلم الذي يتنقل من إمام إلى آخر . فعلم المعزّ لم يكن قد حصل له بالتحصيل والتعلَّم ، بل بالتأييد الإلاهيّ إذ لم يكن له مؤدّب أدّبه في طفولته ، ولا جالس ذوي العلم والمعرفة ولا رحل فخالط الناس [3] . فهو مثل جدّه النبيّ ( ص ) اتّصل بالعلم كما اتّصل محمّد بالوحي سواء بسواء . ويؤكَّد المعزّ ذلك فيقول إنّ العلم انتقل إليه فجأة عند وفاة المنصور ويستشهد بحادثة وقعت له معه : « كان المنصور ألقى عليّ مسائل قبل وفاته ( ص ) تعذّر عليّ الجواب فيها « وأظلم ، فما هو إلَّا أن قبض ( ص ) حتى تهيّأ لي ما كان اعتاص عليّ من « جوابه دفعة بغير تدبّر ولا رويّة . فعلمت أنّ ذلك كما قيل : إنّ اللَّه ينقل « ما كان عند الماضي من الأئمّة إلى التالي منهم في آخر دقيقة تبقى من نفس « الماضي [4] » . ويبدو أنّ القاضي النعمان يغالي في فطريّة علم المعزّ : ففي الكتاب شواهد كثيرة على تتلمذه لأبيه المنصور في طرق المناظرة وأساليب الجدال ، مع حضور لمجالس الحكمة التي تعقد بالقصر . وكان المعزّ يثور على الأتباع الذين يضفون على الأئمّة صفات مغالية كمعرفة الغيب ، أو ينسبون إليهم مواقف مارقة ، فيعيب غلوّهم ويلومهم . وهذا المنصور يستنكر ما نسبه أحد الغلاة إلى الأئمّة فادّعى أنّهم يقولون : « عندنا من حكمة اللَّه وعلمه ما نزيل به الجبال ونخرق به البحار [5] » .
[1] انظر : محمد اليعلاوي : قضايا لغوية في كتاب المجالس والمسايرات . ملتقى ابن منظور الخامس ، أفريل 1978 . [2] ص 319 . [3] ص 148 . [4] المجالس ص 265 ، وانظر شرح ذلك في نفس الجزء ص 267 . [5] المجالس ص 419 .