المسايرة قد حصلت على الأقلّ بعد مولدهما بثمانية عشر عاما أو عشرين ، وهي السنّ التي يكون فيها محمد بن النعمان مؤهّلا للزواج والتّسري ، وبذلك ترجع هذه الحادثة إلى ما بين سنتي 358 و 360 ه ويمكن بذلك أن نقول إنّ كتاب المجالس والمسايرات قد غطىّ الفترة الإفريقيّة من حياة المعزّ كلَّها تقريبا ، ولم يتجاوز إفريقيّة معه إلى مصر أو غيرها كما تجاوزت سيرة الأستاذ جوذر إلى مدينة برقة ثم توقّفت [1] . لم يكن كتاب المجالس كتاب تاريخ ولا كتاب سيرة فقط بل هو أيضا كتاب عقيدة وكتاب أدب . ففيه إشارات تاريخيّة كالتي ذكرناها ، وفيه معلومات عن فتنة أبي يزيد التي دامت مدّة القائم والمنصور ، وعن خصومات المعزّ مع الدولة الأمويّة ، والثورات المتعدّدة التي قامت بإفريقيّة ، وفيه عرض لما أحدثه كلّ من صاحبي سجلماسة وفاس من فتن ، وكذلك للمعارك التي وقعت بين الروم والمعزّ . ونتبيّن من هذا الكتاب مكانة القاضي النعمان في الدولة الفاطميّة ومختلف وظائفه الدينيّة المذهبيّة والسياسيّة الديوانيّة . كما نجد فيه مسائل عقائديّة كمبحث الإمامة ، وما قيل في نسب الفاطميّين وما نسبه الغلاة إلى الأئمّة ممّا لا يتّفق مع عقيدة الإسلام ، ومسائل في الظاهر والباطن . ونجد كذلك في الكتاب صورة من الصعوبات التي لقيها الفاطميّون في بسط نفوذهم المذهبيّ على المجتمع الإفريقيّ السنّيّ فلم تستقرّ دعائمه إلَّا بقوّة الأنصار الكتاميّين . وقد أشاد المعزّ مرارا بفضلهم وفضل أسلافهم . ونستخلص منه أيضا معلومات عن المهديّ والقائم والمنصور والمعزّ وسياستهم الداخليّة والخارجيّة وعن طباعهم ومعاملتهم للناس مع نماذج كثيرة من حكمتهم ومواعظهم . وفي خصوص الأئمّة يمكن جمع الأخبار والإشارات الواردة في الكتاب مبثوثة هنا وهناك في كلام المعزّ أو في ذكريات النعمان نفسه :