وقد بدأ اشتغال النّعمان بالتأليف المذهبيّ منذ عهد المنصور ، ولم يفتر عن الحديث في « مجالسه » عمّا كان يكشفه له المعزّ من مغاليق الفهم وما يوضّح له من خفيّ المعاني . وأصبح بعد الدّربة الطويلة في خدمة الخلفاء والوفاء لهم لسان المذهب وفقيهه . ولا يفتأ النعمان يسند أعماله إلى الخليفة ، فهو مسجّل وناطق بلسانه وصادر عن معانيه ، يقول : « أمرني الإمام المعزّ لدين اللَّه ( صلعم ) بتأليف شيء من العلم وقفني على جميع « معانيه وأصّل لي أصوله ، وألقى إليّ جملة من القول فيه ، ولم أكن قبل « ذلك تقدّمت في تأليف شيء منه ولا اتّسع علمي اتّساعا يوجب أن أتقدّم « في تصنيفه ، فلمّا فتق لي المعنى فيه ولخّصه لي وأوضح لي معانيه وأمرني « بتأليفه وبسطه تقدّمت في ذلك تقدّم واثق بعون اللَّه به [1] » . كان إذن يعرض عليه ما يصنعه من كتب في الفقه والفتيا لييسّر العمل بها بين الناس ، وكان المعزّ يراجعه في مشاكلها وينّبهه إلى المحرّف عن الأئمّة الذي يجب ألا يروى ولا يتداوله العامّة [2] . وكان يتلقّى أمره أحيانا بوضع كتاب يحدّد له صفته ومحتواه [3] ، وربّما ناقشه الخليفة في مادّة بعض كتبه ونبّهه إلى ما سها عن ذكره [4] . ولم يفتأ النعمان يشهد بما كان يصله من فضل الخلفاء ويشمله من نعمتهم الضافية فكان مسكنه مع « الأولياء » داخل المنصوريّة ، وقد أقطعه المعزّ أرضا بها لبناء دور لبناته وولديه ، وكانت له رباع ببعض البوادي يغلَّها بكراء مرتفع [5] وكان قريبا من قمّة الدولة الفاطميّة أثيرا عند المعزّ تشدّه إليه رابطة عقليّة وشيجة ، فلم يتخلَّف