« إلى حيث لا ينتهي الصوت إلى آخرهم . . . فوصف له أنّ فيهم ممّن قد « شملته الدّعوة أهل تخلَّف ومن لا يكاد أن يفهم القول ، وأنّ مثل هؤلاء لو « ميّزوا وجعل لهم مجلس يقرأ عليهم فيه ما يحتملون . . . » . ففكَّر المعزّ ثم ارتأى أن لا يميّز بين الناس وأنّ الحكمة تعرض فينال كلّ منها بحسب طاقته . وهكذا توطَّدت تقاليد هذه السنّة في مدارسته الفقه الشّيعيّ والجدل المذهبيّ منذ ذلك الوقت ، فيتولىّ النعمان قراءة ما يخرجه إليه الخليفة المعزّ من مناشير تتضمّن « الحكمة والوصايا والعلم الحقيقيّ [1] » . وحضر ذات مرّة أحد كبار أسرى المعزّ ، وهو محمد بن الفتح ، ابن واسول ، من أمراء بني مدرار بسجلماسة الذي أسر وأحضر إلى المنصوريّة سنة 348 ه ، فشهد صلاة الجمعة في قيوده ثم جلس في الحلقة بعد الصلاة يستمع إلى النعمان وهو يعرض بعض مسائل الفقه التي تخالف قوله ، ويبيّن له النعمان الوجه فيه فيسلَّم . ويسأله المعزّ عن الأمر بعد ذلك ، فيقول له النعمان : « هو رجل قد قرأ كتب العامّة إلَّا أنّه بربريّ الطبع ، وكأنّه ظنّ أنّه ليس الحقّ إلَّا ما انتهى إليه ، فرأيته إذا سمع الحقّ أصغى إليه ، وإذا بيّن له وشرح وفسّر مجمله رجع إليه وانقاد ولم يلجّ في الباطل ، كما يفعل كثير ممّن انتحل مذهبا ونشأ عليه ممّن نشاهده [2] » . ولعلّ أشدّ ما يؤخذ على النعمان في تفكيره المذهبيّ هو مغالاته في إطلاق لفظ « الجهّال » و « العامّة » على مخالفيه ، كما تدلّ عليه نصوص من هذا الكتاب . وطبيعي أن يخلق له هذا التحامل وحظوته عند الدولة أعداء يكيدون له ويشيعون حوله الشائعات ، وكان يضيق صدره بها ويألم ، ولكنّ المعزّ يؤكَّد وثوقه به ويرفع عنه الغبن [3] .