ومثله كثير إذا وجّهته توجّه كلَّه على البيان كما قال المعزّ عليه السلام . فخلص من فاسد التّأويل ولم يكن للجبرة [1] فيه دليل . فأمّا قضاء الحاجة ، وقضى الدّين ، وقضى الصّلاة ، وقضى الصّوم ، وقضى الحقّ ، وقضى الواجب ، وقضى الوطر ، كقول اللَّه تعالى : * ( « فَلَمَّا قَضى مُوسَى الأَجَلَ [2] » ) * وقوله : * ( « فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً [3] » ) * فذلك غير ما تقدّم ذكره وهو أداء الشيء والخروج منه ، كما يقال قضى فلان الحجّ ، وقضى العمرة ، وقضى الزّيارة ، وقضى المناسك ، ومثل ذلك كثير . وهو أيضا يجري مجرى البيان لأنّه الخروج من شيء ، ومن خرج من شيء أو فارقه فقد بان / عنه [4] . وهذا اللَّفظ كلَّه لفظ المعزّ عليه السلام [5] . وما علمت أحدا سبق المعزّ عليه السلام إليه ولا إلى ما أصّله في القضاء أنّه البيان ، ولا رأيت فروعا تطَّرد على أصل مثله فلا تخرج منه إلى غيره . واللَّه يديم تأييده وتوفيقه وإمداده بنور هدايته ، ويواتر الصلاة عليه وعلى آبائه وأبنائه . كلام في مجلس لرسول الأمويّ الخاسر [6] القادم عليه من الأندلس : 90 - ( قال ) وانتهى إلى أمير المؤمنين المعزّ ( صلع ) أنّ [7] مركبا لبني أميّة قدم من المشرق ، فلمّا صار بين صقليّة وإفريقيّة مرّ بجزيرة / فصادف فيها قاربا فيه نفر قدموا من صقليّة يريدون إفريقيّة ، وفيه كتاب من عامل صقليّة إلى أمير المؤمنين . فخاف الأندلسيّون أن ينذروا بهم فأخذوا رجل [8] قاربهم واختطفوا
[1] كذا في الأصل ، ولعلها « الجبرية » : ولا يخفى أن السياق يتفق مع مادة « الجبر » و « الاجبار » في معني الحتم والقضاء والقدر . الا أن المعاجم لم تذكر « جبرة » في المصادر المسموعة لفعل « جبر » . [2] القصص ، 29 . [3] الأحزاب ، 37 . [4] ولكن المصدر هنا هو البين لا البيان . [5] فهذا المبحث الطويل هو إذن من المعز ، وإنما النعمان ناقل . [6] الخاسر تجنيس للقب « الناصر » . [7] في الأصل : وأن [8] في الأصل : رجلا ، ورجل القارب هنا سكانه أي دفته . انظر دوزي في المادة ، وقد اعتمد فيما اعتمد ، على نص لابن جبير : « سنح المركب بسكانيه وهما رجلاه اللتان يصرف بهما » ( الرحلة نشر د . حسين نصار ، القاهرة ، 1955 ص 311 سطر 6 » . ولا يبدو من الشاهد أن « الرجل » كلمة مصطلح عليها في معني السكان أو الدفة ، وهذا ما يؤكده سكوت المعاجم عن مدلولها هذا . ثم إن دفة المركب واحدة في العادة .