المسلمين ، وإنّما كانت بنصّ من أبي بكر . وأمّا عثمان فقد كان اختياره حاصلا من اثنين من ستّة نفر حصر عمر الشورى فيهم ، مع أنّ الشورى الّتي نحن بصددها للمسلمين عامّة ، لا لهؤلاء النفر خاصّة ! والنتيجة : إنّ مسألة الشورى لا دليل صحيح يدلّ على أنّها من شرائع الإسلام ! ولو كانت كذلك لبُيّنت أحكامها وحدودها ; فإنّ أهم أُسسها - وهو : مَن يدخل في الشورى ومَن لا يدخل - اختلف علماء أهل السُنّة فيه على أقوال كثيرة ( 1 ) ، فكيف بسائر أحكامها ؟ ! وهذا دليل واضح على أنّ مسألة الشورى في اختيار الخلفاء إنّما وضعها الناس من عند أنفسهم ; ولهذا قال القرطبي : وقد جعل عمر ( رضي الله عنه ) الخلافة - وهي أعظم النوازل - شورى ( 2 ) ( 3 ) . وممّن وافق الشيعة على أنّ الإمامة بالنصّ والتعيين من أهل السُنّة جماعة من المعتزلة ، منهم : النظّام ، الّذي قال : لا إمامة إلاّ بالنصّ والتعيين ظاهراً مكشوفاً . وقد نصّ النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على عليّ ( رضي الله عنه ) في مواضع ، وأظهره إظهاراً لم يشتبه على الجماعة ، إلاّ أنّ عمر كتم ذلك ، وهو الّذي تولّى بيعة أبي بكر يوم السقيفة ( 4 ) .
1 - قيل : لا يدخل في الشورى إلاّ أهل المدينة ، وقيل : خصوص الصحابة ، وقيل : أهل الحلّ والعقد ، وقيل : جميع المسلمين ، وقيل غير ذلك . 2 - الجامع لأحكام القرآن 4 / 251 . 3 - وردت هذه الأجوبة في كتاب : كشف الحقائق - للشيخ علي آل محسن - : 253 - 256 ، مع بعض الإضافات منّا . 4 - راجع : الملل والنحل - للشهرستاني - 1 / 57 . أقول : ولعلّ مراد النظّام من : " أنّ عمر كتم ذلك " هو : ما ذكره المؤرّخون من موقف عمر بن الخطّاب وصدّه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عن توكيد ولاية عليّ ( عليه السلام ) على المسلمين من بعده كتابةً ، بعد أن أعلنها لهم شفاهاً ، تكراراً ومراراً ، وفي مواقف متعدّدة ، مرّ ذكر بعضها في هذا الكتاب . وقد اعترف عمر لابن عبّاس بموقفه هذا من عليّ ( عليه السلام ) في حوار دار بينهما ; فقد قال له عمر في بعض ذلك الحوار : " كان من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في أمره ذروٌ من قول لا يُثبت حجّة ولا يقطع عذراً ، ولقد كان يربع في أمره وقتاً ما ، ولقد أراد في مرضه أن يصرّح باسمه ، فمنعتُ من ذلك ; إشفاقاً وحيطة على الإسلام ! لا وربّ هذه البنية ! لا تجتمع عليه قريش أبداً ، ولو وليها لانتقضت عليه العرب من أقطارها " . راجع : شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد - 12 / 20 ، 21 ، 80 ، 81 . وممّا يرد على قول عمر : أتراه أعرف بما يصلح الأُمّة من الله ورسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، أو أنّه علم ما لم يعلمه الله ورسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من انتقاض العرب على عليّ ( عليه السلام ) ومحاربتها له ، فلم يمنعهما ذلك من التنصيص بالخلافة عليه ورآه هو مانعاً من اختياره ( عليه السلام ) خلافاً لهما ؟ ! ! انظر : منع عمر بن الخطّاب للنبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من كتابة كتابه المشار إليه في الحديث المتقدّم في رزية يوم الخميس - كما كان يسمّيها ابن عبّاس - في صحيح البخاري 5 / 138 باب : مرض النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ووفاته ، وج 7 / 9 كتاب المرضى في باب : قول المريض : قوموا عنّي ، وصحيح مسلم 5 / 76 في آخر كتاب الوصايا ، وفي مواضع أُخرى منهما .