لا تحلّ لهم الخلافة ( 1 ) . فقوله ( عليه السلام ) : " وإنّما الشورى للمهاجرين والأنصار . . . " ، بمعنى : إن كنت يا معاوية لا ترى الخلافة بالنصّ الإلهي ، وإنّها تتمّ عندك بالاختيار واجتماع أهل الحلّ والعقد ، فأمرها لا يعدو المهاجرين والأنصار ، فهم أهل الشورى ، وها هم قد بايعوني كما بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان من قبل ، فما كان لك يا معاوية أن تردّ هذه البيعة أو تحتال عليها بأي حال . وقوله ( عليه السلام ) : " فإن اجتمعوا على رجل وسمّوه إماماً ، كان ذلك لله رضا . . . " يشتمل على دلالة لطيفة ، وهو أقرب للتعريض منه بالإقرار ; فمن المعلوم أنّه قد ناهض الخلفاء الثلاثة الّذين سبقوه ( عليه السلام ) جمع كبير من المهاجرين والأنصار ، كما هو الثابت تاريخياً ( 2 ) . ويشير ( عليه السلام ) إلى أنّه الوحيد الذي اجتمع عليه المهاجرون والأنصار بأغلبية غالبة في المدينة ، وقد قال ( عليه السلام ) يصف هذه الحال في خطبة له : فما راعني إلاّ والناس كعرف الضبع إليَّ ينثالون علَيّ من كلّ جانب حتّى لقد وطئ الحسنان ، وشُقّ عطفاي ، مجتمعين حولي كربيضة الغنم ( 3 ) .
1 - انظر تمام كتابه ( عليه السلام ) في المناقب - للخوارزمي - : 202 - 203 . 2 - انظر كلّ من ذكر أخبار السقيفة ، وتخلّف جماعة من الأنصار والمهاجرين ومعظم بني هاشم عن بيعة أبي بكر في حوادث سنة 11 ه من : تاريخ الطبري 2 / 445 ، الكامل في التاريخ 2 / 325 ، البداية والنهاية 5 / 265 ، وغيرهم . ولك أن تراجع أيضاً اعتراض بعض الصحابة على تنصيب أبي بكر لعمر نهاية حياته ، وأيضاً معارضة آخرين لعبد الرحمن بن عوف عندما قرّر اختيار عثمان في قصّة الشورى المعروفة . . فلا يوجد إجماع على الثلاثة الّذين سبقوا الإمام ( عليه السلام ) . 3 - عرف الضبع : ما كثر من عنقها من الشعر ; وهو ثخين يضرب به المثل في الكثرة والازدحام . وينثالون : يتتابعون مزدحمين ، وكان هذا الازدحام لأجل البيعة على الخلافة . وربيضة الغنم : الطائفة الرابضة من الغنم ; يصف ازدحامهم حوله وجثومهم بين يديه . نهج البلاغة - تعليق الشيخ محمّد عبده - 1 / 36 .