745 - 4 فلما جاء محمد صلى الله عليه وآله ودار الزمان انتقل الحكم إلى الملك الكريم الذي على صورة الميزان وهو العدل واعطى كل ذي حق حقه ، وهو ريحي اشتعل الفلك الأثير اشتعالا عظيما ، فكثرت النجوم ذوات الأذناب في الأثير فعمرت كل مسلك فيه فضاقت المسالك على الجن الذين يسترقون السمع ولم يعرفوا ما علة ذلك ، فقالوا انا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا ( 8 - الجن ) فالحرس الملائكة وهم الرصد في الآية الأخرى ، والشهب النجوم ذوات الأذناب ، ومع هذا كله يسلكون بحكم البخت ، فان صادفهم شهاب احرقهم ، وجعل بأيديهم عالم الخيال ونصب لرئيسهم عرشا على البحر في مقابلة : وكان عرشه على الماء ( 7 - هود ) وهو عرش التلبيس ، وجعل بيده قوة مثال كل شئ في العالم الحقيقي يأتي به في عالم الخيال على صورته في العالم الحقيقي ليضل به أهل الكشف في كشفهم وأهل الفكر في أدلتهم ، فبيده مفاتيح الشبه والشكوك . 746 - 4 ثم أقول : وأوجد الله تعالى هذه الدورة المحمدية في هذا الوقت ونصب فيه هذا الوالي ليكون اسراره مكتومة ومقاماته مستورة ، ويكون الطمس على الأفكار بقوة ناريتها وعدم ثبوتها ، فلا يستقر كما استقر أفكار القدماء قبل استدارة الزمان ، فكانت الحيرة في أهل الأذواق منا أكثر من غيرنا من الأمم ، ومن تعب في الفكر منا وقف حيث تعب ، فكثر الاختلاف في الإلهيات لاشتغال الخواطر وغلبة الحرارة عليها . 747 - 4 فأكثر الخلق في هذه الأمة مجبولون على الأمور التي لم يكن أحد من غابر الأمم يصل إليها الا بعد الرياضات والخلوات والأفكار الرائضة بنفوسهم ، واشتعلت أيضا قلوب أهل الاذكار والاجتهادات في العبادات وهم الصادقون من الصوفية ، فنالوا المراتب العلية في العلوم الإلهية وكان علماء هذه الأمة كأنبياء سائر الأمم ، وفتح في بواطنهم ما كان يظهر في بني إسرائيل من العجائب وهم لا يعرفون قدره ، فانكتمت سرائرهم