عليه من إفراط حرارة الألم ، ( فسكنه الله ببرد الماء . ) أي ، قال تعالى لأيوب ، عليه السلام : إضرب برجلك الأرض ، ليظهر لك ماء تغتسل به ، بارد مسكن حرارة الألم ، مطهر لبدنك من الأمراض والأسقام . فلما أتى بالمأمور به ، سكن الله إفراط الحرارة ببرودة الماء . هذا ظاهره . وأما باطنه ، فهو أمر بالرياضة والمجاهدة بضرب أرض النفس ، ليظهر له ماء الحياة الحقيقة متجسدا في عالم المثال : فيغتسل به ، فيزول من بدنه الأسقام الجسمانية ومن قلبه الأمراض الروحانية . فلما جاهد وصفا استعداده وصار قابلا للفيض الإلهي ، ظهر له من الحضرة الرحمانية ماء الحياة ، فاغتسل به ، فزال من ظاهره وباطنه ما كان سبب الحجاب والبعد من ذلك الجناب . ( ولهذا كان الطب النقص من الزائد والزيادة في الناقص . والمقصود طلب الاعتدال . ولا سبيل إليه إلا أنه يقاربه . ) [14] أي ، أزال الحق منه إفراط الحرارة الذي كان سبب الآلام ، لا الحرارة مطلقا . ولهذا المعنى كان الطب والتداوي بالتنقيص من الكيفية الزائدة ، والازدياد من الناقصة ، ليحصل المقصود وهو القرب من الاعتدال ، إذ لا سبيل إلى الاعتدال الحقيقي إلا أن الطبيب يجعل المزاج قريبا من الاعتدال . ( وإنما قلنا : ولا سبيل إليه ، أعني الاعتدال ، من أجل أن الحقائق والشهود يعطى التكوين مع الأنفاس على الدوام . ولا يكون التكوين إلا عن ميل في الطبيعة ، يسمى انحرافا أو تعفينا ، وفي حق الحق إرادة ، وهي ميل إلى المراد الخاص دون غيره . والاعتدال يؤذن بالسواء في الجميع . وهذا ليس بواقع . فلهذا منعنا من حكم الاعتدال ) أي ، وإنما قلنا : لا سبيل إلى الاعتدال الحقيقي ، لأن معرفة
[14] - قوله : ( إلا أنه يقاربه . . . ) . هذا أي القرب بالاعتدال مختص بالمزاج ، وغير محقق في التكوين ، فإن أمر التكوين ليس إلا بالإنحراف الصرف والإرادة المعينة لأحد الأطراف ، فإن الترجيح بالأولوية محال ، لا سبيل إليه . ( الإمام الخميني مد ظله )