( سبقت رحمتي غضبي ) . جميع هذه المعاني مرعية : أما الأول ، فإنه لو لم تكن رحمته ، لما وجد شئ من الأشياء فضلا عن الغضب . وأما الثاني ، فلأنه يلحق الرحمة فتأخذ المجرم من يد المنتقم . وأما الثالث ، فعند توجه ( المنتقم ) إليه من الانتقام ، قد يتوجه ( الرحمن ) بالمغفرة والرحمة إليه ، فلا يبقى له حكم عليه . فقوله : ( هذا ) إشارة إلى قوله : ( والسابق متقدم ) إلى آخره . وهو يجمع المعاني الثلاث . لذلك قال : ( فهذا معنى سبقت رحمتي غضبي ) . ( لتحكم على من وصل إليها ، فإنها في الغاية وقفت ) أي ، لتحكم الرحمة على كل من وصل إليها ، أي ، إلى الرحمة . وفاعل ( وصل ) ضمير عائد إلى ( من ) . فإن الرحمة السابقة على كل شئ لا يقف إلا في الغاية والنهاية ، ليكون ( الأول ) عين ( الآخر ) . فالرحمة الإلهية أول الأشياء وآخرها . ( والكل سالك إلى الغاية فلا بد من الوصول إليها ) أي ، إلى الغاية . ( فلا بد من الوصول إلى الرحمة ومفارقة الغضب . ) أي ، وكل العباد ، بل وكل الأشياء ، سالك بقطع مراتب الوجود العلمي والعيني بالحركة الدورية الوجودية ، فلا بد من الوصول إلى غاياتها وكمالاتها ، فلا بد من الوصول إلى الرحمة ومفارقة الغضب وأحكامه ، لأن غايات الأشياء وكمالاتها لا يكون إلا مرغوبا فيها ، لا مهروبا عنها . ( فيكون الحكم لها في كل واصل إليها بحسب ما يعطيه حال الواصل إليها . ) أي ، فحينئذ يكون الحكم للرحمة في كل عين من الأعيان التي وصلت إلى الغاية ، فتعم الرحمة عليها جميعا ، لكن على حسب درجاتهم وتفاوت طبقاتهم : فيكون للبعض نعيم في عين الجحيم ، ولبعض آخر في الجنة ، ولآخر في ( الأعراف ) الذي بينهما . ( فمن كان ذا فهم يشاهد ما قلنا * وإن لم يكن فهم فيأخذه عنا ) ( * )