( وإذا كان هذا كما ذكرناه ) أي ، إذا كان حصول العرش عند سليمان بطريق الإعدام والإيجاد [19] . ( فكان زمان عدمه أعني عدم العرش من مكانه ، عين وجوده ) أي ، عين زمان وجوده ( عند سليمان من تجديد الخلق مع الأنفاس . ولا علم لأحد بهذا القدر . بل الإنسان لا يشعر به من نفسه أنه في كل نفس لا يكون ثم يكون . ) قيل : ذلك لاقتضاء إمكانه عدمه كل وقت على الدوام ، واقتضاء التجلي الدائم الذاتي وجوده [20] وفيه نظر . لأن الممكن هو الذي لا يقتضى ذاته
[19] - واعلم ، أن مسألة بلقيس وعرشها في السبأ وحضورها في مجلس السليمان ، ليست من قبيل الخلق الجديد ، لأن الخلق الجديد إن صح ، كان حاكما على جميع الخلائق . والخلق الجديد لا يتصور بل لا يعقل بدون الحركة في الجواهر وحصول الصور على المواد بالتدريج ، وإلا يلزم انعدام حقيقة الشئ وإيجادها من كتم العدم ، لزوال المادة المشتركة بزوال الصورة . وقد حققنا هذه المسألة في تعاليقنا على كتاب ( أصول المعارف ) أنه يجب أن يكون توارد الصور على المواد وتجددها على سبيل التدريج ، وإلا يلزم انعدام الجسم بالكلية وإيجاد الجسم من كتم العدم من دون وجود مادة سابقة . ومما يجب أن يعلم أن عدم تدرب الشيخ وأتباعه في المباحث العويصة الحكمية ، ومن جملتها الحركة السارية في جواهر العالم وأعراضها ، والإذعان بهذه المسألة عن طريق التعبد ، أوقعه في مخمصة وقوع الصور على المواد لا في الزمان ، وتحقق الزماني في الآن . ( ج ) [20] - والقائل هو الشيخ العارف ، الشارح الكاشاني ( رض ) حيث قال ( ط مصر ، ص 196 ، 197 ) في هذا الموضع من شرحه : ( لاقتضاء إمكانه مع قطع النظر عن موجده عدمه كل وقت على الدوام ، واقتضاء دوام التجلي الذاتي وجوده ) . وما ذكره الشارح العلامة الكاشاني بعينه هو معنى الحدوث الذاتي . وأشار الرئيس ، ابن سينا ، عظم الله تقديسه ، بقوله : ( الممكن من حيث ذاته ليس ، ومن حيث وجود علته أيس ) . أي ، الممكن لا يقتضى الوجود من قبل ذاته ، فهو مع قطع النظر عن علته ليس بموجود ، بل من هذه الجهة معدوم . وليس مراد أستاذ الشارح من لفظة ( الاقتضاء ) العلية ، حتى يرد عليه ما أورده الشارح القيصري . ومن عدم النيل إلى معنى الحدوث الذاتي المذكور في كلام أئمة الحكمة أشكل الشارح على أستاذه . واعلم ، أن المهية من حيث هي هي ليست إلا هي ، والوجود والوحدة والتشخص وغيرها من المعاني تكون من لواحق المهية ، أي ، تكون من عوارضها ، ومن جملتها الوجود ، فيصدق على المهية من حيث ذاتها أنها غير موجودة ، سواء كانت من قبل ذاتها ، أو من جهة العلة ، لأن الوجود المفاض عن العلة على هياكل الأعيان ، خارج عن جوهر ذات المهية وتخوم حقيقتها . ومما ذكرناه يظهر أنه ليس للمهية من حيث هي هي ، أي من حيث إنها مسلوبة عنها الوجود والعدم وغيرهما بالسلب البسيط التحصيلي لا العدولي ، ليس لها الوجود ، لا من ذاته ولا من جهة العلة . ومن هذه الجهة يقال إنها من حيث ذاتها ليس ، أي ، ليس الوجود جزءا لها ولا العدم . فهي من هذه الجهة معدومة ، ولو في زمان تنورها بنور الوجود . وهذا معنى ( الحدوث الذاتي ) المذكور في كلام الشيخ وغيره . وإن كان كلام الرئيس في المقام في غاية الإبهام . وهذا معنى الحدوث الذاتي كما هو المذكور في كلام أئمة الفن . وممن حقق هذه المسألة وأدى حقه وأجود ما قيل في هذا المقام ، ما ذكره الحكيم البارع والمتكلم العظيم من الفرقة الناجية ، الملا عبد الرزاق اللاهيجي ( رض ) ، صاحب ( الشوارق ) و ( گوهر مراد ) . ( ج )