وإنما قال كذلك ، لأن ما هو خبيث الذي هو مشتمل بوجه آخر على المعاني الطيبة في نفسها ، فإنه مظهر من مظاهر الهوية الإلهية ، وهي الطيبة ، وإن كان خبيثا في الظاهر . وأيضا ، لو لم يكن كذلك ، لما وجد من الطيب الحقيقي ، إذ لا بد من المناسبة بين العلة والمعلول ولو بوجه ما . وفي الحقيقة خبث الخبيث و طيب الطيب أمران نسبيان ، يعودان إلى المدرك ، وليس في نفس الأمر إلا الطيب . ( فما حبب إلى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، إلا الطيب من كل شئ ، وما ثمة إلا هو . ) أي ، وما يكون في حضرته إلا الطيب . ( وهل يتصور أن يكون في العالم مزاج لا يجد إلا الطيب من كل شئ ولا يعرف الخبيث ، أم لا ؟ قلنا : هذا لا يكون : فإنا ما وجدناه في الأصل الذي ظهر العالم منه ، و هو الحق ، فوجدناه يكره ويحب ، وليس الخبيث إلا ما يكره ، ولا الطيب إلا ما يحب ) على المبنى للمفعول . ( والعالم على صورة الحق . ) ولا يتوهم أن قول الشيخ : ( فإنا ما وجدناه في الأصل ) ينافي ما ذكرناه ، لأن الحق يحب وجود كل شئ ويريده ، فيوجده ، سواء كان طيبا أو خبيثا . ولو كان يكره شيئا ما مطلقا ، لما أوجده وما يتعلق إرادته به . وقوله : ( فوجدناه يكره و يحب ) . محمول على أنه تعالى في المظاهر يحب الشئ ويكرهه ، لا في مقام جمعه ، فإن ( الكراهة ) من الصفات المنسوبة إلى العالم ( الضحك ) و ( الاستهزاء ) و غيرهما ، فما هو منسوب إلى الله في القرآن والحديث ، كقوله تعالى : ( الله يستهزئ بهم ) . ( وضحك الله البارحة مما فعلتما ) . ( والإنسان على الصورتين . ) أي ، مخلوق على صورتي الحق والعالم . ( فلا يكون ثمة مزاج لا يدرك إلا الأمر الواحد من كل شئ . ) إما الطيب ، و إما الخبيث . ( بل ثمة مزاج يدرك الطيب من الخبيث ) إذ لا خبيث إلا وله نصيب من الطيب ، ولو بالنسبة إلى بعض الأمزجة . ( مع علمه بأنه خبيث بالذوق طيب بغير الذوق ، فيشغله إدراك الطيب منه عن الإحساس بخبثه . ) كما روى عن بعض المشايخ أنه مر مع جمع من المريدين ،