ولا حزنت عليه حزن رؤية بصر ، وغلب على ظنها أن الله ربما رده إليها لحسن ظنها به . ) أي بالله . ( فعاشت بهذا الظن في نفسها ، والرجاء يقابل الخوف واليأس . و قالت حين ألهمت لذلك : لعل هذا هو الرسول الذي يهلك فرعون والقبط على يديه . فعاشت وسرت بهذا التوهم والظن بالنظر إليها . ) أي ، كون هذا المعنى توهما وظنا إنما هو بالنظر أي بالنسبة إلى أم موسى ، لا بنفس الأمر ، لذلك قال : ( وهو علم ) أي ، ذلك التوهم والظن كان علما ( في نفس الأمر . ) ( ثم ، إنه لما وقع عليه الطلب ، خرج فارا ، خوفا في الظاهر ، وكان في المعنى حبا في النجاة ، فإن الحركة أبدا إنما هي حبية . ويحجب الناظر فيها بأسباب أخر ، و ليست تلك . ) أي ، ومن جملة العناية الإلهية أن موسى خرج فارا من خوف القتل ، وكان ذلك الفرار في الحقيقة حبا في الحياة والنجاة من الهلاك . ثم ، بين أن الحركة لا تحصل أبدا إلا عن محبة ، وإن كان في الظاهر لها أسباب أخر ، كالخوف والغضب وغير ذلك ، فيحجب من يعلم الحقائق بالأسباب الظاهرة و يسندها إليها ، وليست أسبابها في الحقيقة تلك الأسباب الظاهرة . قوله : ( ويحجب ) مبنى للمفعول . ( وذلك لأن الأصل حركة العالم من العدم الذي كان ساكنا فيه إلى الوجود - و لذلك يقال إن الأمر حركة عن سكون - فكانت الحركة التي هي وجود العالم حركة الحب . وقد نبه رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، على ذلك . ) رواية من الله تعالى . ( بقوله : ( كنت كنزا مخفيا ، لم أعرف فأحببت أن أعرف ) . فلولا هذه المحبة ، ما ظهر العالم في عينه . ) أي ، وجوده العيني . ( فحركته من العدم إلى الوجود حركة حب الموجد لذلك ) أي ، لوجود العالم ، إذ به تظهر كمالات ذاته وأنوار أسمائه و صفاته ( ولأن العالم أيضا يحب شهود نفسه وجودا ، كما شاهدها ثبوتا ، فكانت بكل وجه حركته من العدم الثبوتي إلى الوجود العيني حركة حب من جانب الحق و جانبه . ) أي ، من جانب العالم : ( فإن الكمال محبوب لذاته ) وهو لا يظهر إلا بالوجود العيني ( وعلمه تعالى بنفسه من حيث هو غنى عن العالمين هو له . وما بقى إلا تمام مرتبة العلم بالعلم الحادث الذي يكون من هذه الأعيان أعيان العالم إذا