( كذلك علم الشرائع ، كما قال تعالى : ( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ) . أي ، طريقا ومنهاجا من تلك الطريقة جاء . فكان هذا القول إشارة إلى الأصل الذي منه جاء . ) ولما كان اللبن صورة العلم - كما أوله رسول الله ، صلى الله عليه و سلم ، في رؤياه به - مثل وشبه تعليم الشرائع بتحريم المراضع . أي ، كما حرم أن لا يشرب موسى لبن أحد غير أمه التي هي أصله ، كذلك علم الشرائع من لدنه ، وجعله نبيا صاحب شريعة غير متابع لشريعة غيره ، فكان يأخذ الشريعة والعلم من الله منبع العلوم ومحتد الشرائع ، وكان يكلمه كفاحا ، [16] أي ، من غير حجاب . ثم ، استدل بقوله : ( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ) . وفسر ( الشرعة ) بالطريق ، و ( المنهاج ) أيضا هو الطريق . لكن لما يوقف عليه ، يصير منهاجا ، فشبهه بالكلمتين : إحديهما : ( منها ) ، والآخر : ( جاء ) . فأخذ عليهما وفسر بقوله : أي من تلك الطريقة جاء . فصار قوله منهاجا إشارة إلى الأصل الذي منه جاء ونزل إلى هذا العالم ، وليس إلا الحق ، فإنه منه بدأ كل شئ وإليه يعود ، فهو المبدأ والمعاد . ( فهو غذاؤه ، كما أن فرع الشجرة لا يتغذى إلا من أصله . ) أي ، فالأصل الذي منه جاء موسى وحصل في هذه النشأة العنصرية هو غذاؤه ، لا يتغذى إلا منه . أي ، لا يستفيض المعاني وما به قوامه ولا يجد المدد إلا من أصله ، كما أن فرع الشجرة لا يتغذى ولا يجد المدد إلا من أصله . ولما جعل الأصل غذاءا للفرع ، والغذاء قد يكون حلالا وقد يكون حراما ، نقل الكلام إليهما بقوله : ( فما كان حراما في شرع ، يكون حلالا في شرع آخر ، يعنى في الصورة : أعني قولي يكون حلالا . وفي نفس الأمر ما هو عين ما مضى ، لأن الأمر خلق جديد ولا تكرار . فلهذا نبهناك . ) أي ، الذي كان حراما في شريعة ثم صار حلالا في شريعة أخرى ، أو بالعكس ، ليس إلا بحسب الصورة . وأما في