( فكان عدم قوة إرداع هارون بالفعل أن ينفذ في أصحاب العجل بالتسليط على العجل ، كما سلط موسى ، عليه السلام ، عليه حكمة من الله ظاهرة في الوجود ليعبد في كل صورة . وإن ذهبت تلك الصورة بعد ذلك ، فما ذهبت إلا بعد ما تلبست عند عابدها بالألوهية . ) أي ، عدم تأثير هارون في منعهم عن عبادة العجل وعدم تسلطه عليهم ، كما تسلط موسى عليهم ، كان حكمة من الله ظاهرة في الوجود الكوني ، ليكون معبودا في صور الأكوان كلها . وإن كانت هذه الصور ذاهبة فانية ، كان ذهابها وفناؤها إنما هو بعد التلبس بالألوهية عند عابدها . ( ولهذا ) أي ، ولأجل أنه أراد أن يعبد في كل صورة . ( ما بقى نوع من الأنواع إلا وعبد : إما عبادة تأله ، وإما عبادة تسخير . فلا بد من ذلك لمن عقل . ) أما العبادة بالإلهية ، فكعبادة الأصنام وغير ذلك من الشمس والقمر والكواكب والعجل . وأما العبادة بالتسخير ، فكما يعبدون الأموال وأصحاب الجاه والمناصب . وإنما قال : ( فلا بد من ذلك لمن عقل ) لأن التسخير والتسخر واقع بين جميع مراتب الوجود ، ولا يقع الارتباط بين الموجودات إلا بهما ، بل بين الخلق والحق أيضا بهما ، إذ لا بد من الافتقار ، وهو يعطى التسخير والتسخر لمن يعلم الحقائق . ( وما عبد شئ من العالم إلا بعد التلبس بالرفعة عند العابد والظهور بالدرجة في قلبه ، ولذلك تسمى الحق ) أي ، سمى الحق نفسه ( لنا ب ( رفيع الدرجات ) ، ولم يقل : رفيع الدرجة . فكثر الدرجات في عين واحدة ، فإنه قضى ألا يعبد إلا إياه في درجات كثيرة مختلفة ، أعطت كل درجة مجلي إلهيا عبد فيها . وأعظم مجلي عبد فيه و أعلاه ( الهوى ) . كما قال : ( أفرأيت من اتخذ إلهه هواه ) فهو أعظم معبود ، فإنه لا يعبد شئ إلا به ) أي ، بالهوى . ( و لا يعبد هو إلا بذاته . ) أي ، الحق في مرتبة ألوهيته لا يعبد إلا بذاته ، فإنه معبود بالذات لكل ما سواه . وأما في مراتب الصور الكونية ، فليس معبود إلا بواسطة سلطان الهوى على العابد ومحبته في قلب العابد له . فإن جميعها ممكن ليس لأحد منها الوجوب الذاتي المستعبد لغيره بذاته . ( وفيه أقول :