الجبروت وما فيه من الأنوار القاهرة ، فحينئذ يشاهد أمورا كلية وحقائق مجردة ، هي أصول لما يظهر في عالم الطبيعة ، فيعلم ذوقا أن الأمور الكلية كيف تنزل و تصير جزئية محسوسة مصورة بالصورة الطبيعية العنصرية ، من غير تنزل روحه المجردة إلى هذه الصورة الإنسانية والمقام الحيوانية . وبرجوعها إلى مقامها الأصلي وتحققها بالعهد الأول يعرف كيفية تنزلات الذات الإلهية من المقام ( الأحدية ) و ( الواحدية ) إلى المراتب الكونية وظهورها في جميع مراتب العوالم السفلية و العلوية ، شريفها وخسيسها ، عظيمها وحقيرها ، فيشاهد الحق في جميع مراتب الوجود شهودا حاليا ، فيفوز بالسعادة العظمى والمرتبة الكبرى . رزقنا الله وإياكم السعادة وجعلنا ممن كمل وطهر بالعبادة . ( فإن كوشف على أن الطبيعة عين نفس الرحمن ، فقد أوتى خيرا كثيرا . ) أي ، فإن علم ذوقا أن الطبيعة هي التي تسمى ب ( النفس الرحماني ) وليست مغائرة له في الحقيقة ، فقد أوتى خيرا كثيرا . وتفسير ( الطبيعة ) و ( النفس الرحماني ) قد مر في ( الفص العيسوي ) و مواضع أخر مرارا ، فلا نحتاج إلى ذكرهما هاهنا . ( وإن اقتصر معه ) أي ، مع مقام الخرس ( على ما ذكرناه ) من شهود الأمور التي هي أصول لما يظهر في الصورة الطبيعية ، ( فهذا القدر يكفيه من المعرفة الحاكمة على عقله ) أي ، النظر الفكري . ( فيلحق بالعارفين ، ويعرف عند ذلك ذوقا ) حقيقة قوله تعالى : ( ( فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم ) . ) لأنه شهد ظهور الحق في جميع مراتب الوجود وكيفية صدور الأفعال منه في المظاهر الكونية ، فنفى القتل عنهم ، وأضاف إلى الله ، كما قال : ( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ) . ( وما قتلهم إلا الحديد والضارب ، والذي خلف هذه الصور ) من الهوية الإلهية . ( فبالمجموع وقع القتل والرمي ) ( فيشاهد الأمور ) عطف على قوله : ( و يعرف عند ذلك ذوقا ) . ( بأصولها ) وهي الحقائق المجردة الكونية . ( وصورها ) وهي الصور الطبيعية والعنصرية والمثالية الخيالية . ( فيكون تاما . )