( فاعلم أولا ، أن الرحمة إنما هي في الإيجاد عامة ، فبالرحمة بالآلام أوجد الآلام . ثم ، إن الرحمة لها الأثر بوجهين : أثر بالذات ) وهو أثر الرحمة الرحمانية العامة المتعلقة بإيجاد كل الأعيان مطلقا . وإليه أشار بقوله : ( وهو إيجادها كل عين موجودة . ولا تنظر ) الرحمة . ( إلى غرض ولا إلى عدم غرض ولا إلى ملائم ولا إلى غير ملائم ، فإنها ناظرة إلى عين كل موجود قبل وجوده . ) ( قبل ) على صيغة الماضي . أي تنظر الرحمة في كل عين حال كونها قابلة للوجود . ( بل تنظره في عين ثبوته . ) فاعل ( تنظره ) ضمير ( الرحمة ) . وضمير المفعول عائد إلى ( كل عين ) . لذلك ذكره تغليبا للفظ ( الكل ) . أو باعتبار الشئ . أي ، بل ناظرة فيها ، أي في عين كل موجود منهما ، حال ثبوتها في العدم . ( ولهذا رأت الحق المخلوق في الاعتقادات عينا ثابتة في العيون الثابتة ، فرحمته بنفسها بالإيجاد . ) ( الحق المخلوق ) هو تجلى الحق سبحانه على حسب اعتقاد المعتقدين فيه . وإنما سمى ( مخلوقا ) لأنه مجعول متكثر ، وكل مجعول مخلوق . و يسمى ( حقا ) ، لأنه حق في اعتقاد المعتقد . ومجلى الحق في نفس الأمر . ومعناه : ولكون الرحمة تنظر في الأعيان حال ثبوتها في العدم فترحم عليها ، شاهدت أعيان الموجودات ورأت عين الحق المخلوق ثابتة في اعتقاد كل عين في جملة العيون الثابتة . ( فرحمته بنفسها ) . أي ، فرحمت الرحمة الحق المخلوق بنفس الرحمة الذاتية ، فأوجدته . ( ولذلك قلنا : إن الحق المخلوق في الاعتقادات أول شئ مرحوم بعد رحمتها بنفسها في تعلقها بإيجاد المرحومين . ) أي ، ولأجل أن الحق المخلوق بحسب الاعتقادات أول شئ مرحوم بعد تعلق الرحمة الذاتية بنفسها بالإيجاد ، قلنا من قبل : إن أول ما وسعت الرحمة الذاتية شيئية تلك العين الموجدة للرحمة الصفاتية ، وهي عين الاسم ( الرحمن ) . ولما كان ( الرحمن ) هو الذي يتجلى بحسب اعتقاد المعتقدين ، ويصير حقا مخلوقا فيدخل في جملة ما يتعلق الرحمة بإيجاده من الأعيان المرحومة ، جعله مقول القول بحسب المعنى . ( ولها أثر آخر بالسؤال ، فيسأل المحجوبون الحق أن يرحمهم في اعتقادهم . و