فهو في المتبوع من وجه أولى بالوقوع ، وذلك ( في فضل عمر ) على أبي بكر ( في أسارى بدر ، بالحكم فيهم ) ، حيث رأى فيهم أبو بكر أن يأخذ منهم الفدية ويطلقهم ، ورأى فيهم عمر بضرب الرقاب ، فأنزل الله الآية الكريمة موافقة لرأي عمر [1] وهي قوله تعالى : * ( ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَه ُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ في الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَالله يُرِيدُ الآخِرَةَ وَالله عَزِيزٌ حَكِيمٌ . لَوْ لا كِتابٌ من الله سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ) * [ 8 / 68 - 67 ] .
( وفي تأبير النخل ) حيث منعه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وقال [2] : « ما أرى في ترككم تأبيره مضرّة » ، فتركوا تأبير النخل ، ففسدت ثماره . فقالوا لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، فقال : « أنتم أعلم بأمور دنياكم » واعترف بأعلميّتهم في هذا الحكم ، فعلم من هذا أنّ الكامل قد يتّبع غيره في جزئيّات الأحكام .

[1] الروايات مختلفة في شأن قضية أسارى بدر ، وما أشار إليه الماتن أحد الأقوال المروية في ذلك ، راجع التفصيل في مجمع البيان : 5 / 559 . على أن ما علمه المسلمون بأمر من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم - من أخذ الفدية من البعض وضرب رقاب آخرين منهم - يناقض القول الذي اعتمد عليه الماتن ، وحاشاه صلَّى الله عليه وآله أن يمضي في أمر مثل هذا إلا بوحي من الله تعالى وتأييد علم علمه من لدنه ويؤيد ذلك ما جاء في الآية الكريمة : لَوْ لا كِتابٌ من الله سَبَقَ . . .
[2] روى مسلم ما يقرب منه : كتاب الفضائل ، باب ( 38 ) وجوب امتثال ما قاله صلَّى الله عليه وسلَّم شرعا . . . ، 4 / 1835 - 1836 . ولا يخفى دلالة متن الحديث على ضعفه وإن أوردوه في المجامع الروائية ، فإن من البعيد جدا أن يعيش أحد في بيئة أكثر اشتغالهم الزراعي النخل ، ولا يعلم لزوم تأبيرها لتصلح الثمرة ، وهذا لا ينسب إلى أدون الناس ، وحاشى ساحة النبي الأكرم عن أمثال هذه الأباطيل التي وضعها - والله أعلم - بعض المغرضين ليمهد الطريق إلى توجيه ما خالفوا فيه من صريح ما أمر به الرسول الأمين ، الذي لا ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى - صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ، وجعلنا من متابعيه في الدنيا والآخرة .

194