( لم يكن أحد أكمل من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، ولا أعلى ولا أقوى همّة منه ، وما أثرت في إسلام أبي طالب عمّه [1] ) وقريبه بوثاقة رقيقة نسبته إليه وألفته معه ، وكلّ ذلك مما يعدّ في أمر التأثير والتأثّر ( وفيه نزلت الآية التي ذكرناها ، ولذلك قال في الرسول أنّه ما عليه إلَّا البلاغ ) - في صيغة الحصر - ( وقال : * ( لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ الله يَهْدِي من يَشاءُ ) * [ 2 / 272 ] وزاد في سورة القصص ) على ذلك بيانا بقوله : ( * ( وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) * [ 28 / 56 ] أي بالذين أعطوه العلم بهدايتهم في حال عدمهم بأعيانهم الثابتة ) .
[ مبدأ السعادة والشقاوة عين السعيد والشقي ] ( فأثبت ) بقوله هذا ( أنّ العلم تابع للمعلوم ، فمن كان مؤمنا في ثبوت عينه وحال عدمه ظهر بتلك الصورة في حال وجوده ، وقد علم الله ذلك منه

[1] لا يشك محقق منصف نظر في سيرة أبي طالب وأقواله وأشعاره وحمايته عن الإسلام والرسول الأكرم صلَّى الله عليه وآله في كونه مؤمنا بالنبي صلَّى الله عليه وآله ، وأما ما أورده ابن العربي فمن الأحاديث الموضوعة التي دسّها علماء بني أمية لما لم تتمكنوا - مع استفراغ وسعهم - من إخفاء فضائل ابنه مولى الموحّدين وأمير المؤمنين عليه السّلام - إذ كانت طبقت الآفاق وملأت مشارق الأرض ومغاربها - فلما رأوا أنفسهم عاجزين من إستار الشمس المضيء في رابعة النهار عمدوا إلى أبيه أبي طالب ونفوا إسلامه بوضع أمثال هذه الأباطيل ونشرها ، ولم يقنعوا بذلك حتى ألحقوا به والدي النبي الأكرم ونسبوهما إلى الكفر ليكون الكلام في كفر أبي طالب مأنوسا غير بعيد عن الأذهان ، وقد فصّل العلامة الأميني - قده - البحث في ذلك وأجاد في كتابه القيّم الغدير ( 8 / 11 - 45 ) كما صنّف غيره من المثقفين أيضا كتبا مفردة - مثل كتاب الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب تأليف شمس الدين فخار بن معد الموسوي من المتقدمين وكتاب شيخ الأبطح أبو طالب وكتاب أبو طالب مؤمن قريش مما ألفه محققين من المتأخرين وغيرها مما ذكر في تراجم أحوال العلماء - فأبانوا عن صريح الحقّ وأذهبوا بأمثال هذه الأباطيل ، كما صنف الإمام المحدث جلال الدين السيوطي عدة رسائل في النقض على من اعتقد أن أبوي الرسول الأكرم صلَّى الله عليه وآله كانا كافرين وأنهما في النار ، فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء .

542