ثم إن المتعلق من أمور الدنيا بتحصيل الزاد للآخرة شيئان النفوس والأموال وأسبابهما .
فمن هاهنا يعلم أن أي الأعمال الدنياوية أفضل الوسائل المقربة به إلى طلب الفوز بالآخرة وأيها أكبر المعاصي المبعدة عن ذلك فإنه إذا كانت المعرفة بالله واليوم الآخر هي الثمرة العليا والغاية القصوى فأفضل الأعمال شهادة التوحيد والإقرار بالربوبية لله والرسالة لرسوله والطاعة لأولي الأمر من الأئمة عليهم السّلام فما يحفظ به المعرفة على النفوس هو أفضل الأعمال ويليه ما ينفع في ذلك ويبلغ بسببه إلى كمالها في الرسوخ بحيث لا يتزلزل عند تصادم الأهواء والشكوك وهي الطاعات المقربة إلى الله كالصلاة والصيام والحج والزكاة والجهاد فإنها بمنزلة السقي لبذر المعرفة في أرض القلب حتى ينمو ويبلغ إلى حد الكمال كما قال تعالى « إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ والْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ » [1] وهو مما يتوقف على بقاء الحياة على البدن مدة فما ينحفظ به الحياة على الأبدان يتلو في المرتبة عما ينحفظ به المرتبة على النفوس [1] ويتلو هاتين المرتبتين ما يكون نافعا في حفظ الحياة على الأبدان وهو ما يحفظ به الأموال ويتعيش به الأشخاص إلى أن يترقى إلى درجة الكمال .
فهذه ثلاث مراتب ضرورية في غرض النواميس عقلا فأكبر الكبائر ما يسد باب معرفة الله ويليه ما يسد باب الحياة على النفوس ويلي ذلك ما يسد به باب المعيشة عليها فلا كبيرة في المعاصي فوق الكفر كما لا فضيلة فوق الإيمان على مراتبه في قوة المعرفة وضعفها لأن الحجاب بين العبد وبين الله هو الجهل ويتلو الجهل بحقائق الإيمان أعني الكفر الأمن من مكر الله والقنوط من رحمته فإن هذا باب من الجهل

[1] : س 16 ى 62 .
[1] : ينحفظ به المعرفة على د ط ل م .

373