الجهة الثالثة : إنّ المشهور قيّدوا عفو الحاكم في موارد ثبوت الجرم بالإقرار بما إذا تاب أيضا ، فمتى لم يتب لم يجز العفو ، ففي النهاية ذكر الشيخ ( قدّس سرّه ) : « ومن زنى وتاب قبل قيام البيّنة عليه بذلك درأت التوبة عنه الحدّ ، فإن تاب بعد قيام الشهادة عليه وجب عليه الحدّ ، ولم يجز للإمام العفو عنه ، فإن كان أقرّ على نفسه عند الإمام ثم أظهر التوبة كان للإمام الخيار في العفو عنه ، أو إقامة الحدّ عليه حسب ما يراه من المصلحة في ذلك ، ومتى لم يتب لم يجز للإمام العفو عنه على حال » [13] . وذكر المعنى نفسه في سائر الحدود التي هي للَّه أيضا [14] . وفي الشرائع : « لو أقرّ بحدّ ثم تاب كان الإمام مخيّرا في إقامته ، رجما كان أو جلدا » . وهكذا عبائر سائر الكتب الفقهية ، حيث أخذت التوبة قيدا في جواز العفو ، فيكون ظاهر الأصحاب أنّ العفو موضوعه مركَّب من جزئين : ثبوت الجرم بالإقرار ، وتوبة المقرّ ، ولو من خلال إقراره نفسه عند الإمام . إلَّا أنّ الشيخ المفيد ( قدّس سرّه ) ، جعل الميزان لعفو الإمام توبة المجرم بعد ثبوت جرمه ، سواء أكان بالإقرار أم بالشهادة قال : « ومن زنى قبل أن تقوم الشهادة عليه بالزنا درأت عنه التوبة الحدّ ، فإن تاب بعد قيام الشهادة عليه كان للإمام الخيار في العفو عنه أو إقامة الحدّ عليه ، حسب ما يراه من المصلحة في ذلك ، له ولأهل الإسلام ، فإن لم يتب لم يجز العفو عنه في الحدّ بحال » [15] ، وذكر الشيء نفسه في حدّ اللواط [16] وحدّ السحق [17] . وتابعه على ذلك الحلبيان ، وعلى هذا القول يكون الموضوع لعفو الإمام توبة المجرم بعد ثبوت جرمه ، سواء أكان ذلك بالإقرار أم بالبيّنة . وفي قبال هذين القولين قول ثالث ، اختاره بعض المتأخّرين ، وهو كفاية ثبوت الجرم بإقرار المجرم في جواز عفوه ، سواء أتاب أم لم يتب ، فتكون
[13] النهاية ، للشيخ الطوسي ، ص 696 . [14] المصدر نفسه ، ص 706 ، 708 ، 718 . [15] المقنعة ، للشيخ المفيد ( ره ) ص 777 . [16] المصدر السابق ، ص 787 . [17] المصدر السابق ، ص 788 .