وليس من شؤونها عرفا ، بل هي من شؤون الإنسان وفساد له ، بخلاف التعدّي على المال والنفس ، فإنّه وان كان متعلَّقا بالإنسان أيضا ، إلا أنّه إذا كان بنحو بحيث سلب الأمن على النفس أو المال في أرض كان وصفا للأرض أيضا عرفا ، لأنّه سلب لحالة الاستقرار والأمن التي هي من شؤون الأرض وصلاحها المطلوب فيها ابتداء ، فيصح أن يقال في مورده أنه إفساد ، أو فساد في الأرض ، بخلاف غيرها من المفاسد . الوجه الثاني : لا إشكال في أن عنوان الفساد يدلّ على كون العمل قبيحا ومستنكرا تنفر منه الطباع ، وليس هذا واضحا إلا في مثل الظلم والتعدّي على الحقوق الأولية للإنسان ، لا الأمور الأخرى الفكرية والعقائدية أو السياسية التي هي محلّ بحث واختلاف نظر بين الناس . ولعله لهذا السبب لا نجد في القرآن الكريم إطلاق المفسد أو الفساد في الأرض على حالة الشرك أو الاعتقادات الباطلة ، بينما نجده يطلقه غالبا على موارد التعدّي والتجاوز على الأموال والأنفس وما إليها . وقد رأيت بعد ذلك أن صاحب القاموس يفسّر الفساد بأنه أخذ المال ظلما . 3 - موضوع الحد في الآية : ظاهر العطف بين عنواني المحاربة والإفساد في الآية الشريفة * ( إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ الله ورَسُولَه ويَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَساداً . ) * إلخ أنّ موضوع الحدّ فيها يكون مصداقا للمحاربة والإفساد معا ، فليس هذا من قبيل قولنا : من ضرب اليتيم وأخذ ماله وجب عليه كذا ، بل هو نظير قولنا : من أفطر بارتكاب الحرام فعليه كفارة الجمع .