الآخر ، ولكن لا بدّ أن يبحث عن معنى ما أخذ فيها من قوله : « لا ربّ لها » وهل ذلك أي عدم الرّب والمالك بالنسبة إلى المالك الواقعي ، بأن لا يكون لها ربّ واقعا ، كما في صورة إعراض الربّ ، بانجلائه مثلا عن تلك الأرض - بناء على كون الإعراض عن ملك بنفسه مخرجا له عن الملكيّة - ؟ فحينئذ لا بدّ في إحراز أنّه لا ربّ لها واقعا ، أو بالنسبة إلى الظاهر ، بأن لا يكون لها مالك معروف لأجل عطلتها وخرابها ؟ فحينئذ يكفي في كونها من الأنفال مجرّد أنّه لم يعرف لها مالك ، وإن كان في بعض تلك النصوص كما في مرفوعة أحمد بن محمد « والموات كلَّها هي له » [1] . فعليه لا يبعد أن يقال : إنّ التعبير بقوله : « لا ربّ لها » لأجل الغلبة ، حيث إنّ غالب الأراضي الموات لا ربّ لها ، فحينئذ لا اعتداد بذلك القيد حتّى يقال إنّ الأرض الَّتي قد جلا عنها أهلها لأجل بعض المحاذير - منها : احتمال تهاجم المسلمين مثلا بلا إعراض أصلا وصارت تلك الأرض لأجل عدم التوجّه إليها خربة يصدق عليها عرفا بأنّه لا ربّ لها أي لا مالك معروف لها لانتشار مالكيها في البلاد وتشتّتهم في أقطار الأرض - ليست من الأنفال جمودا على ظاهر قوله « كلّ أرض لا ربّ لها » ، فلا مفهوم لذلك القيد لكونه واردا مورد الغالب ، ولكن لا يستفاد من الدليل المقيّد به أيضا إطلاق ، لاحتمال قرينيّة ذلك القيد المأخوذ وصلاحيته للتقييد ، فلا يمكن استفادة الإطلاق منه . وما قرع سمعك من أنّ القيد الوارد مورد الغالب لا مفهوم له نحو قوله تعالى * ( ورَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ ) * [2] ، ليس معناه أنّ الإطلاق المفتي به عند الأصحاب إنّما هو لأجل تلك الآية ، بتوهّم أنّ القيد إذا لم يكن له مفهوم ينعقد الإطلاق بلا محذور ، إذ هو لاحتمال محفوفيّته بالقرينة لا ينعقد ، بل الإطلاق إنّما
[1] الوسائل ، كتاب الخمس ، ب 1 من أبواب الأنفال ، ح 17 . [2] سورة النساء : آية 23 .