والثانية : استعارة الربط بين الإضافتين من العقد المشدد ، وهذا لو جاز فلا أقل من أنه خلاف الأصل . فالعقد هو تبادل الإضافتين بلا دخل للتشديد فيه ، لاستعارته من عقد الحبل ، وهو الربط الخاص فيه . هذا مضافا إلى تصريح اللغويين بشمول العقد للبيع ( 1 ) ، بل صريح كلام بعضهم عدم اعتبار اللزوم فيه ، مع تعريفه العقد بالعهد المشدد ( 2 ) ، فيعلم من هذا أن المراد من المشدد في كلامهم هو نفس الربط الخاص ، لا اللزوم ، ويعبر عنه بالفارسية بسته شده . فالمعاطاة عقد ، لأنها بيع - كما مر - بل لأنها العهد المشدد ولو قلنا بجوازها . المراد بالوفاء بالعقود وأما الوفاء بالعقد في الآية الكريمة ، فالمراد به - كما يظهر من العرف واللغة - هو العمل بمقتضاه تاما ( 3 ) ، وهذا إنما يتحقق بتسليم العوضين وكون المتعاقدين ثابتين على ذلك ، بأن لا يسترد ما سلمه إلى الآخر عنه ، ولازم ذلك صحة العقد ، وإلا لم يجب الوفاء به . ودلالة الآية على اللزوم سيجئ الكلام فيها . والمعاطاة - على ما تقدم - عقد ، ويتصور الوفاء بالمعنى المذكور فيها بجميع أقسامها ، سواء وقع التعاطي من الجانبين ، أو من جانب واحد ، فيجب الوفاء بها ، ولازم هذا صحة المعاطاة . إن قلت : هذا إنما يصح لو كان المراد من العقد العهد ، وأما بناء على ما ذكر :
1 - نفس المصادر . 2 - مجمع البيان 3 : 232 - 233 . 3 - لسان العرب 15 : 359 ، أنظر عوائد الأيام : 4 .