ويمكن الجواب عن هذا بوجهين : أحدهما : أن دفع محذور الكذب شاهد على كون الحكم الفعلي في زمان نزول الآية حلية مطلق البيع ، وأما عدم حلية ما ذكر فقد جعلت بعد ذلك . وثانيهما : أن عدم الحلية فيما ذكر وإن كان صحيحا ، إلا أنه لا ينافي حكاية الاطلاق في الآية الكريمة ، فإن المحكي بها حكم قانوني ، وعدم حلية ما ذكر من باب التقييد فيه ، فما ثبت مقيدا يؤخذ به ويقيد به ذلك ، وإلا فيؤخذ بإطلاق المحكي . والحاصل : أن التنافي بين الحكمين الفعليين ، لا بين الحكم القانوني والفعلي ، ونظير ذلك القوانين المجعولة اليوم ، فإنه يجعل أولا حكم قانوني ، ثم يبين قيوده والشرائط المعتبرة فيه . فالاشكال الأخير مدفوع . على أنه يمكن أن يقال : إن الآية واردة مقام إنشاء الحكم لا الإخبار ، بتقريب أن صدرها ، وهو ( إن الذين يأكلون الربا . . . ) قضية حقيقية لا خارجية ، وتوطئة لبيان الحكم ، وهو ( أحل الله البيع وحرم الربا ) ، وأما التعيير فإنما هو من جهة أهمية الحكم ، فلا يكون قرينة على سبق الحكم ، فتأمل . مناقشة الوجه الأول وأما الاشكال الأول ، فلو تم فلا يمكن الجواب عنه بما أجبنا به عن الأخير ، لعدم توهم الكذب في المقام ، فإن الآية في مقام الحكاية عن قول المخالفين بالتسوية والحكاية عن عدم التسوية في الشريعة المقدسة ، وليست في مقام الحكاية عن التشريع ، حتى يقال : إن إطلاق الحكاية يقتضي إطلاق التشريع ، فإن غاية ما يقتضيه إطلاق الحكاية هو إطلاق المحكي ، والمحكي حكمهم بالتسوية وعدم التسوية في الشرع .