ويمكن دفع ذلك أيضا : بأن في الآية حكايتين : إحداهما الحكاية عن قول المخالفين بالتسوية ، والأخرى الحكاية عن حل البيع وحرمة الربا ، فلو كانت الثانية تفريعا على الأولى ، بحيث تكون ناظرة إلى نفي التسوية فيما قالوا فيه بها ، لكان للاشكال وجه ، إلا أن ملاحظة سياق الآية تشهد بأنها في مقام بيان الكبرى وتطبيقها على المورد ، كأنه قال تعالى : قالوا بالتسوية والحال أن البيع حلال والربا حرام ، فالجملة الثانية وإن كانت في مقام نفي التسوية فيما قالوا فيه بها إلا أنها بلسان بيان الكبرى والتطبيق ، لا بلسان بيان الحكم في المصداق الخاص . إشكال ثالث في إطلاق الآية ودفعه نعم بقي إشكال آخر في إطلاق الآية المباركة : وهو أنها غير واردة في مقام بيان حلية البيع ، فإن محط النزاع ومحور الكلام في قولهم : ( إنما البيع مثل الربا ) وقوله تعالى : ( أحل الله البيع وحرم الربا ) ( 1 ) ، إنما هو حرمة الربا ، وإلا فحل البيع مفروغ عنه عند الجميع . وعليه فالآية في مقام ردعهم وذمهم من حيث استحلالهم الربا ، فلا تكون واردة في مقام بيان حكم البيع حتى يؤخذ بإطلاقها ، فالمسألة محل نظر وإشكال ( 2 ) .
1 - البقرة 2 : 275 . 2 - أقول : الظاهر أن المسألة من جهة الاشكال الأخير أيضا ليست محل نظر وإشكال ، فإن الآية وإن كانت في مقام بيان حكم الربا ، إلا أنه لا بد من ملاحظة لسانها ، كما أفاد هو - دام ظله - في دفع الاشكال المتقدم ، فإنها واردة في مقام بيان حكم الربا بلسان ( أحل الله البيع وحرم الربا ) ، واللسان شاهد على أنه تعالى يبين كلا الحكمين وإن كان محور الكلام خصوص الربا . وأما الاشكالان الآخران فقد أجاب هو - دام ظله - عنهما بما لا مزيد عليه . فلو كنا نحن وهذه الآية لعملنا بالاطلاق ، إلا أن المسألة مشكلة من جهة أخرى : وهي أن الآية الكريمة - كما أفاده - ذات احتمالين : أحدهما : أن يكون الحل مترتبا على الزيادة الحاصلة من البيع . وثانيهما : أن يكون مترتبا على نفس البيع . وحيث إنه على الأول منهما يثبت تنفيذ البيع من باب الملازمة العقلية ، وليست الآية ناظرة إلى بيان ذلك ، فلا يمكن الأخذ بإطلاقها في الموارد المشكوكة وإن كان الاطلاق تاما على الاحتمال الثاني ، فإن الاحتمالين متكافئان لا ترجيح لأحدهما على الآخر . والحاصل أنه لم يثبت أن الآية في مقام بيان نفوذ البيع ، حتى يتمسك بإطلاقها في موارد الشك في الصحة وحلية الزيادة وإن استلزمت نفوذ البيع ، إلا أنه ا لا تستلزم نفوذ مطلق البيع ، لعدم ورودها في مقام بيان ذلك ، بل واردة في مقام بيان حلية الزيادة فقط ، وكم فرق بين الحكم بحلية مطلق الزيادة الحاصلة من البيع ، والحكم بحلية مطلق زيادة حاصلة من مطلق البيع ؟ ! المقرر حفظه الله .