نعم ربما يكون التكلم باللَّفظ مع قصد غير ما يحكى عنه اللَّفظ حراما ، لكونه إغراء بالجهل . وذلك فيما ترتب عليه مفسدة غير متداركة ، وامّا لو لم يترتّب عليه مفسدة ، أو كانت متداركة بمصلحة ، لم يكن محرما بوجه من الوجوه أصلا . وهذا الاشكال قد ألجأ السيد والمحقق الى الالتزام بكون التورية كذبا وقد عرفت بطلانه « ودفع الإشكال » في كلا المقامين يتوقف على بيان مقدمة . وهي أنّ الألفاظ ليست منظورة للمتكلَّم ، بل محط النظر له هو المعاني ، والألفاظ فانية فيها . ومنشأ ذلك كما تقدّمت الإشارة إليه في أوّل الكتاب ، كون اللَّفظ وجودا تنزيليا للمعنى . فالمنظور من التكلَّم بلفظ ، هو المعنى الذي جعل اللَّفظ وجودا تنزيليا له وصار قالبا له . فالمتكلم لا يلتفت عند استعمال اللَّفظ بحسب ارتكازه الا الى ذلك المعنى ، ولا يلتفت الى غيره ، وانّما ينظر الى اللفظ بنظر آلي مرآتي . ومن هنا احتاج الاستعمال في المجاز إلى قرينة صارفة عن المعنى الحقيقي . فالتورية أعني إرادة المعنى من اللَّفظ بغير ما كان قالبا له ، أو إرادة نفس اللَّفظ استقلالا من دون جعله مرآتا للمعنى ، مخالفة للارتكاز ، فقلما يوجد أن يسير الإنسان إلى خلاف ارتكازه . نعم يلتفت الإنسان كثيرا إلى إمكان التورية أو إرادة مجرد اللَّفظ من دون المعنى ، الا أنّه يغفل عنه عند استعمال اللَّفظ بحسب ارتكازه ، ويقصد من اللَّفظ ما يحكى عنه من المعنى قهرا . والالتفات اليه حين الاستعمال والمنع عن الارتكاز ، ليس من شأن عامّة الناس بل هو شأن الأوحدي منهم . وقد تبين من ذلك أنّ منع صدق عنوان الكذب والإكراه عند إمكان التورية ، لا يستلزم حمل الأدلة المسوقة للاستثناء من حرمة الكذب وجوازه في موارد على الفرد النادر ، بل يكون غالب الموارد باقيا تحت الأدلَّة ، منطبقا عليه عنوان الكذب أو الإكراه المأخوذ في موضوعها . والخارج عنها لإمكان التورية