ووجه كونه نبزا أنّ معنى النّبيء - بالهمز - خرج من أرض إلى أرض ، فإن قيل : إنّ وجه نهيه أنّ الأعرابيّ أراد بما ذكر كونه خارجا من مكَّة إلى مدينة - كما قال القاموس - فلا يدلّ على النّهي على الإطلاق . قلت : حصره صلَّى اللَّه عليه وآله اسمه في « نبيّ اللَّه » - بلا همز - ينافي ذلك . وأما قوله : « إمّا تخفيفا من المهموز بقلب همزته ياء » فغير معلوم أيضا صحّته ، ففي كتاب ألفاظ الهمدانيّ : قال ثعلب : إنّ أربعة أشياء أصلها الهمز ولا تهمز : « الرّويّة » من « روّأت في الأمر » ، و « البريّة » من « برأت » ، و « الذّريّة » من « ذرأت » ، و « النّبيّ » من « نبأت » . فإنّ مقتضى كلامه أنّ مع مهموزيّته يجب كونه بلا همز . وأما قوله : « أو أنّ أصله من النّبوة - إلخ » ، ففي لفظه أنّه كان عليه أن يقول : « وإمّا أنّ أصله » لأنّ استعمال « إمّا » في كلام يستلزم تكراره ، قال تعالى * ( « إِمَّا شاكِراً وإِمَّا كَفُوراً » ) * [1] . كما أنّه إذا لم يكن تخفيفا من المهموز لا يلزم أن يكون من النّبوة ، فيمكن من « النّبإ » بمعنى الطَّريق . قال الحمويّ : قال الكسائيّ : النبيّ ، الطَّريق ، والأنبياء طرق الهدى ، وقال ابن الأنباريّ في قول القطاميّ : < شعر > لمّا وردن نبيّا واستتبّ بنا مسحنفر كخطوط الشّيخ منسحل < / شعر > النّبي : الطَّريق . وقوله : « من النّبوة أي الرّفعة » الظَّاهر أنّ النبوّة ليست بمعنى مطلق الرّفعة بل مكان مرتفع . قال ابن السّكَّيت وابن دريد - كما في المعجم - في قول أوس بن حجر : < شعر > لأصبح رتما دقاق الحصى مكان النّبيّ من الكاثب < / شعر > النّبيّ : المكان المرتفع ، والكاثب : الرّمل المجتمع . ثمّ إنّ قول العبّاس بن مرداس في خطاب النّبيّ صلَّى اللَّه عليه وآله :