وأمّا الإشكال الخاص بآية * ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) * فأمران الأوّل : المراد بالعقد على ما يظهر من تفسيره في بعض الروايات وصريح بعض أهل اللغة بمعنى العهد ، ولا يعهد عند أحد من أهل العرف كون المعاملات السوقيّة معاهدات بين أهالي السوق . والثاني : أنّ الخارج عن تحت الآية أكثر من الداخل فيها إذ البيوع العرفية التي يحكم العرف فيها بالصحّة والشرع بالفساد بحدّ يكون الباقي تحته على قدر البشاعة والاستهجان من القلَّة ، وهذا يدلّ إمّا على قرينة متّصلة في الآية سقطت ولم يلزم معها هذا الاستهجان ، وإمّا أنّ المراد بها أمر آخر غير مرتبط بباب المعاملات أصلا مثل العهود الإلهيّة ، اللَّهمّ إلَّا أن يقال بإمكان إصلاح هذه الجهة بتمسّك المشهور كما يقال في دليل القرعة ونحوه . وأمّا الخاص بالآيتين بعده : فهو أنّهما بمقام الإهمال نظير قول القائل في مقام الردع عن المساهلة في معالجة المرض : لا تسامح واشرب الدواء . فهنا أيضا في مقام الردع عن الأكل بالباطل أرشد إلى التجارة عن تراض ، فكما لا يمكن أخذ الإطلاق من قول القائل في المثال : « اشرب الدواء » كذلك في المقام من قوله تعالى * ( إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ ) * [1] . وأمّا آية * ( أَحَلَّ الله الْبَيْعَ وحَرَّمَ الرِّبا ) * [2] . فهو في مقابل ما قالوا في مقام استيحاشهم * ( إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا ) * [3] فقال : كيف يتماثلان والحال أنّ اللَّه أحلّ البيع وحرّم الربا ؟ فليس المقام إلَّا مقام تقابل الطبيعتين في الحكم ولا يصحّ أخذ الإطلاق من هذا المقام كما هو واضح .