وبهذا يندفع إشكال الدور بالنسبة إلى الجهل الحكمي ، فإنّه يقال : الدور إنّما يلزم إذا قيّد الحكم بعنوان العلم به وأمّا إذا قيّد بأمر آخر يلازم العلم فلا محذور . ويندفع إشكال التقييد والمنافاة للإطلاق أيضا ، فإنّ ثبوت الحكم إلى أن يكون الضرر واقعا بسوء اختيار المكلَّف يلائم إطلاق المنّة الشخصيّة . لا يقال : فكيف المقال في الجهل بالحكم عن تقصير فيلزم فيه فوت الخيار قبل العلم ، لأنّه أيضا متضرّر بسوء اختياره في عدم تعلَّمه الحكم ؟ لأنّا نقول : المراد بسوء الاختيار ما يعمله في نفس النتيجة بلا واسطة لا الأعمّ منه ومن الاختيار الذي أعمله في المقدّمات . وبالجملة : فالمقصود أنّ في أصل جعل حكم الخيار في حقّ الجاهل منّة حيثيّة ، بمعنى أنّه يقال له : إنّا جعلنا لك السبيل إلى رفع الضرر عنك ولكنّك غفلت وجهلت إمّا حكما أو موضوعا ، فلا تقصير من ناحيتنا ، كما أنّ جعل اللزوم في حقّه إضرار عليه . لا يقال : وجود هذا الحكم وعدمه سيّان في الوقوع في الضرر ففي الحقيقة هو متضرّر من جهة اعتقاده اللزوم ، وليس لجهة مصادفة الاعتقاد للواقع أو مخالفته مدخل في ذلك أصلا ، بل هذا مطلب سار في جميع الأبواب ، فإنّ الإنسان دائما تكون حركاته معلومات للصور الذهنيّة من دون مدخليّة للواقع حتّى بنحو الجزئيّة ، فمن يفرّ من الأسد الذي يحدث فيه الفرار هو الأسد الخيالي الذهني لا الخارجي ، وهكذا . لأنّا نقول : كلَّا وحاشا ، بل الأمر حسب المصادفة والمخالفة مختلف ، فإسناد الفعل يكون إلى الواقع مع المصادفة وإن كان إلى التخيّل مع عدمها ، وهذا أمر بديهي يكاد يعدّ إنكاره من إنكار المحسوسات ، فالمعتقد المرتّب للأثر إن كان لواقع معتقده خارج كان المؤثّر في نفسه وتحريك عضلاته نفس ذلك الخارج ،