مستصحب الخمريّة لدى الحاكم ، والمقلَّد يعلم كونه ماء ليس للحاكم نهيه عن الشرب ، فكذا الحال في المقام لا يمكن للحاكم إلزام مدّعي الدين من باب الأمر بالمعروف ، بكفّ اليد عن طرفه بمجرّد كونه شاكَّا ومحكوما بالأصل والمفروض كون المدّعي مدّعيا للعلم ، ومن هنا نعرف الفرق بين المقام وبين القضيّة الواقعة لمولاتنا - صلوات اللَّه عليها - ، فإنّ الموجود هناك أمارة معتبرة في جانب العالم ، والطرف كان معترفا بشكَّه ، فلهذا كان ملزما بمقتضى الأمر بالمعروف باتّباع تلك الامارة الموجب لعدم المخاصمة . وبالجملة المخاصمة في المقام حاصلة بلا شبهة ، لأنّ أحدهما يقول : أدّ مالي ، والآخر يقول : أنا شاكّ وليس عليّ دفع شيء إليك ، فلو لم يجعل الشارع هنا طريق فصل يلزم بقاء المخاصمة بحالها مع كثرة أمثالها وشيوعها بحيث يعلم الإنسان بأنّ الشارع لا يرضى بإهمالها وعدم جعل فاصل وحاسم لها . والمقدّمة الثانية : أنّ الحاسم والفاصل للخصومات المنتهية إلى قضاؤه الحاكم منحصر في الشريعة في أمرين لا ثالث لهما ، البيّنات والأيمان ، وذلك بقضيّة ( إنّما ) في قوله صلَّى اللَّه عليه وآله وسلم : « إنّما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان » [1] . ودعوى كون الحصر إضافيّا بالنسبة إلى موارد وجود المدّعي مع المنكر - فلا يشمل مثل المقام الذي يكون المدّعي بلا منكر ، وذلك لأنّ الغالب المتعارف في المنازعات ذلك ولهذا سيق قوله - عليه السلام - : « البيّنة للمدّعي واليمين على من أنكر » على وجه الإطلاق - مدفوعة بأنّ الانصراف ممنوع . هذا كلَّه في صورة عدم كون المدّعي للجهل من أهل الخبرة ، وأمّا في الصورة المزبورة فقد يدّعي : أنّا ولو سلَّمنا كونه منكرا لمطابقة قوله مع الأصل ، نقول هنا
[1] الوسائل : الجزء 18 ، الباب 2 ، من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ، ص 169 ، ح 1 .