رسالة شيخ الإسلام إلى والدته يعتذر فيها عن بعده عنها لأمور دينيَّة ( بسم الله الرحمن الرحيم من أحمد ابن تيمية إلى الوالدة السعيدة : أقر الله عينيها بنعمه ، وأسبغ عليها جزيل كرمه ، وجعلها من خيار إمائه وخدمه . سلام الله عليكم ورحمة الله وبركاته . فإنا نحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو ، وهو للحمد أهل ، وهو على كل شيء قدير ، ونسأله أن يصلي على خاتم النبيين وإمام المتقين محمد ، عبده ورسوله ؛ صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً . كتابي إليكم عن نعم من الله عظيمة ومنن كريمة وآلاء جسيمة نشكر الله عليها ، ونسأله المزيد من فضله ، ونعم الله كلما جاءت في نمو وازدياد ، وأياديه جلت عن التعداد . وتعلمون أن مقامنا الساعة في هذه البلاد إنما هو لأمور ضرورية ، متى أهملناها فسد علينا أمر الدين والدنيا ، ولسنا - والله - مختارين للبعد عنكم ، ولو حملتنا الطيور لسرنا إليكم ، ولكن الغائب عذره معه ، وأنتم لو اطلعتم على باطن الأمور ؛ فإنكم - ولله الحمد - ما تختارون الساعة إلا ذلك ، ولم نعزم على المقام والاستيطان شهراً واحداً ، بل كل يوم نستخير الله لنا ولكم ، وادعوا لنا بالخيرة ؛ فنسأل الله العظيم أن يخير لنا ولكم وللمسلمين ما فيه الخيرة في خير وعافية . ومع هذا ؛ فقد فتح الله من أبواب الخير والرحمة والهداية والبركة ما لم يكن يخطر بالبال ولا يدور في الخيال ، ونحن في كل وقت مهمومون بالسفر ، مستخيرون الله سبحانه وتعالى ؛ فلا يظن الظانُّ أنا نؤثر على قربكم شيئاً من