وُضع أولاً لمعنى ، ثم بعد ذلك قد يستعمل في موضوعه وقد يستعمل في غير موضوعه ، ولهذا كان المشهور عند أهل التقسيم أن كل مجاز ؛ فلا بد له من حقيقة ، وليس لكل حقيقة مجاز ، فاعترض عليهم بعض متأخريهم وقال : اللفظ الموضوع قبل الاستعمال لا حقيقة ولا مجاز ، فإذا استعمل في غير موضوعه ؛ فهو مجاز لا حقيقة له . وهذا كله إنما يصح لو عُلم ان الألفاظ العربية وُضعت أولاً لمعانٍ ، ثم بعد ذلك استعملت فيها ؛ فيكون لها وضع متقدم على الاستعمال ، وهذا إنما صح على قول من يجعل اللغات اصطلاحية ، فيدعي أن قوماً من العقلاء اجتمعوا واصطلحوا على أن يسموا هذا بكذا وهذا بكذا ، ويجعل هذا عاماً في جميع اللغات ، وهذا القول لا نعرف أحداً من المسلمين قاله قبل أبي هاشم بن الجبائي . . . والمقصود هنا أنه لا يمكن أحداً أن ينقل عن العرب بل ولا عن أمة من الأمم أنه أجتمع جماعة فوضعوا جميع هذه الأسماء الموجودة في اللغة ثم استعملوها بعد الوضع ، وإنما المعروف المنقول بالتواتر استعمال هذه الألفاظ فيما عنوه بها من المعاني ، فإن ادعى مدعٍ أنه يعلم وضعاً يتقدم ذلك ؛ فهو مبطل ، فإن هذا لم ينقله أحد من الناس ، ولا يقال : نحن نعلم ذلك بالدليل ؛ فإنه إن لم يكن اصطلاح متقدم لم يمكن الاستعمال ) [1]
[1] « مجموع الفتاوى » ( 7 / 87 - 91 ) . وقد تكلم شيخ الإسلام عن الحقيقة والمجاز في أكثر من موضع .