الأجر على قدر منفعة العمل لا على قدر المشَّقة فقط ( ومما ينبغي أن يُعرف أن الله ليس رضاه أو محبته في مجرد عذاب النفس وحملها على المشاق ، حتى يكون العمل كل ما كان أشق كان أفضل ، كما يحسب كثير من الجهال أن الأجر على قدر المشقة في كل شيء ، لا ! ولكن الأجر على قدر منفعة العمل ومصلحته وفائدته ، وعلى قدر طاعة أمر الله ورسوله ؛ فأي العملين كان أحسن وصاحبه أطوع وأتبع كان أفضل ، فإن الأعمال لا تتفاضل بالكثرة ، وإنما تتفاضل بما يحصل في القلوب حال العمل . ولهذا لما نذرت أخت عقبة بن عامر أن تحج ماشية حافية ؛ قال النبي ( ص ) : « إن الله لغني عن تعذيب أختك نفسها ، مرها فلتركب » [1] ، وروي : أنه أمرها بالهدي ، وروي بالصوم . وكذا حديث جويرية في تسبيحها بالحصى أو النوى ، وقد دخل عليها ضحى ثم دخل عليها عشية ، فوجدها على تلك الحال ، وقوله لها : « لقد قلت بعدك أربع كلمات ، ثلاث مرات ، لو وزنت بما قلت منذ اليوم لرجحت » [2] . وأصل ذلك أن يعلم العبد أن الله لم يأمرنا إلا بما فيه صلاحنا ، ولم ينهنا إلا عما فيه فسادنا ، ولهذا يثني الله على العمل الصالح ، ويأمر بالصلاح والإصلاح وينهى عن الفساد .
[1] رواه أحمد في « المسند » ( 4 / 143 ) ، والترمذي في ( الأيمان والنذور ، باب ما جاء في كراهة الحلف بغير ملة الإسلام ، 1464 ) ؛ بلفظ : « إن الله لا يصنع بشقاء أختك شيئاً . . . » ، وأصله في « البخاري » ( كتاب الحج ، باب المدينة تنفي الخبث ، 1866 ) ، ومسلم في ( النذر ، باب من نذر أن يمشي إلى الكعبة ، 1644 ) . [2] رواه مسلم في ( الذكر والدعاء ، باب التسبيح أول النهار وعند النوم ، 2726 ) .