فلما قال النبي ( ص ) : « من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ؛ فليكرم ضيفه » [1] ، فلو أطعمه بعض كفايته وتركه جائعاً لم يكن مكرماً له ؛ لانتفاء أجزاء الإكرام ، ولا يقال : الإكرام حقيقة مطلقة ، وذلك يحصل بإطعام لقمة ، كذلك إذا قال : ( خالفوهم ) ؛ فالمخالفة المطلقة تنافي الموافقة في بعض الأشياء أو في أكثرها على طريق التساوي ؛ لأن المخالفة المطلقة ضد الموافقة المطلقة ، فيكون الأمر بأحدهما نهياً عن الآخر ، ولا يقال : إذا خالف في شيء ما فقد حصلت المخالفة ، كما لا يقال : إذا وافقه في شيء ما فقد حصلت الموافقة . وسر ذلك الفرق بين مفهوم اللفظ المطلق وبين المفهوم المطلق من اللفظ ، فإن اللفظ يستعمل مطلقاً ومقيداً . فإذا أخذت المعنى المشترك بين جميع موارده مطلقها ومقيدها كان أعم من المعنى المفهوم منه عند إطلاقه ، وذلك المعنى المطلق يحصل بحصول بعض مسميات اللفظ في أي استعمال حصل من استعمالاته المطلقة والمقيدة . وأما معناه في حال إطلاقه ؛ فلا يحصل بعض معانيه عند التقييد ، بل يقتضي أموراً كثيرةً لا يقتضيها اللفظ المقيد . فكثيراً ما يغلط الغالطون هنا ، ألا ترى أن الفقهاء يفرقون بين الماء المطلق وبين المائية المطلقة الثابتة في المني والمتغيرات وسائر المائعات ، فأنت تقول عند التقييد : أكرم الضيف بإعطاء هذا الدرهم ، فهذا إكرام مقيد ، فإذا قلت : أكرم الضيف ؛ كنت آمراً بمفهوم اللفظ المطلق ، وذلك يقتضي أموراً لا تحصل بحصول إعطاء درهم فقط .
[1] جزء من حديث رواه البخاري في ( كتاب الأدب ، باب إكرام الضيف وخدمته إياه بنفسه ، 6138 ) ، ومسلم في ( كتاب الإيمان ، باب الحث على إكرام الجار والضيف ، 48 ) .