إذا كان الشَّيء شعاراً للكفَّار ثمَّ اعتاده المسلمون وكَثُر فيهم هل تزول حرمته ؟ ( كان الصحابة يرمون بالقوس العربية الطويلة التي تشبه قوس الندف ، وفتح الله لهم بها البلاد ، وقد رويت آثار في كراهة الرمي بالقوس الفارسية عن بعض السلف لكونها كانت شعار الكفار ، فأما بعد أن اعتادها المسلمون وكثرت فيهم وهي في أنفسها أنفع في الجهاد من تلك القوس ؛ فلا تكره في أظهر قولي العلماء أو قول أكثرهم ؛ لأن الله تعالى قال : { وَأَعِدُّوا لَهُمْ ما اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الخَيْلِ } [1] . والقوة في هذا أبلغ بلا ريب ، والصحابة لم تكن هذه عندهم فعدلوا عنها إلى تلك ؛ بل لم يكن لهم غيرها ، فيُنظر في قصدهم بالرمي : أكان لحاجة إليها إذ ليس لهم غيرها ، أم كان لمعنى فيها ؟ ومن كره الرمي بها كرهه لمعنى لازم كما يكره الكفر وما يستلزم الكفر ، أم كرهها لكونها كانت من شعائر الكفار فكره التشبه بهم ؟ وهذا كما أن الكفار من اليهود والنصارى إذا لبسوا ثوب الغيار من أصفر وأزرق نُهي عن لباسه لما فيه من التشبه بهم ، وإن كان لو خلا عن ذلك لم يُكره ، وفي بلاد لا يلبس هذه الملابس عندهم إلا الكفار فنهي عن لبسها ، والذين اعتادوا ذلك من المسلمين لا مفسدة عندهم في لبسها .