كلام عجيب في أن القلب المعمور بالتَّقوى إذا رجَّح بمجرَّد رأيه فهو ترجيح شرعيٌّ ! ( القلب المعمور بالتقوى إذا رجح بمجرد رأيه ؛ فهو ترجيح شرعي ، فمتى ما وقع عنده وحصل في قلبه ما بطن معه أن هذا الأمر أو هذا الكلام أرضى لله ورسوله ؛ كان هذا ترجيحاً بدليل شرعي ، والذين أنكروا كون الإلهام ليس طريقاً إلى الحقائق مطلقاً أخطأوا ، فإذا اجتهد العبد في طاعة الله وتقواه كان ترجيحه لما رجح أقوى من أدلة كثيرة ضعيفة ؛ فإلهام مثل هذا دليل في حقه ، وهو أقوى من كثير من الأقيسة الضعيفة والموهومة والظواهر والاستصحابات الكثيرة التي يحتج بها كثير من الخائضين في المذاهب والخلاف وأصول الفقه . . . وقد قال النبي ( ص ) : « الصلاة نور ، والصدقة برهان ، والصبر ضياء » [1] ، ومن معه نور وبرهان وضياء كيف لا يعرف حقائق الأشياء من فحوى كلام أصحابها ولا سيما الأحاديث النبوية ؟ فإنه يعرف ذلك معرفة تامة ؛ لأنه قاصد العمل بها ؛ فتتساعد في حقه هذه الأشياء مع الامتثال ومحبة الله ورسوله ، حتى إن المحب يعرف من فحوى كلام محبوبه مراده منه تلويحاً لا تصريحاً . والعين تعرف من عَيْنَيْ محدِّثها إن كان من حزبها أو من أعاديها إنارة العقل مكشوف بطوع هوىً وعقل عاصي الهوى يزداد تنويرا
[1] جزء من حديث رواه مسلم في ( الطهارة ، باب فضل الوضوء ، 223 ) من حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه .