وفي الحديث الصحيح : « لا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتَّى أحبه ، فإذا أحببته ؛ كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها » [1] ، ومن كان توفيق الله له كذلك ؛ فكيف لا يكون ذا بصيرة نافذة ونفس فعالة ؟ ! وإذا كان الإثم والبر في صدور الخلق له تردد وجولان ؛ فكيف حال من الله سمعه وبصره وهو في قلبه ؟ ! . . . وأيضاً ؛ فإن الله فطر عباده على الحق ، فإذا لم تستحل الفطرة شاهدت الأشياء على ما هي عليه ، فأنكرت منكرها وعرفت معروفها ، قال عمر : الحق أبلج لا يخفى على فَطِن . فإذا كانت الفطرة مستقيمة على الحقيقة منورة بنور القرآن ؛ تجلت لها الأشياء على ما هي عليه في تلك المزايا ، وانتفت عنها ظلمات الجهالات ، فرأت الأمور عياناً مع غيبها عن غيرها . وفي « السنن » و « المسند » وغيره عن النواس بن سمعان ، عن النبي ( ص ) قال : « ضرب الله مثلاً صراطاً مستقيماً ، وعلى جنبتي الصراط سوران ، وفي السورين أبواب مفتحة ، وعلى الأبواب ستور مرخاة ، وداع يدعو على رأس الصراط ، وداع يدعو من فوق الصراط ، والصراط المستقيم هو الإسلام ، والستور المرخاة حدود الله ، والأبواب المفتحة محارم الله ، فإذا أراد العبد أن يفتح باباً من تلك الأبواب ناداه المنادي : يا عبد الله ! ّ لا تفتحه ؛ فإنك إن فتحته تلجه ، والداعي على رأس الصراط كتاب الله ، والداعي فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مؤمن » [2] ؛ فقد بين في هذا الحديث العظيم - الذي
[1] رواه البخاري في ( الرقاق ، باب التواضع ، 6502 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . [2] [ صحيح ] . رواه الترمذي في ( الأمثال ، باب ما جاء في مثل الله لعباده ، 2859 ) ، وأحمد في « المسند » ( 4 / 182 ) ؛ من حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه . وانظر : « السنة » لابن أبي عاصم ( 18 ) .