الثّمرة التي كانت منظورة للمتعاقدين يعني ما تعاقدون عليه بينكم فقد اجزته ورتّبت عليه الثّمرة الَّتي تريدون منه فصار شرعيّا بان يكون الأمر من باب رفع الحظر وإثبات محض الرّخصة وجواز ما يفعلون ويلزمه ان يصير كلَّما كان عندهم على وجه اللَّزوم لازما وعلى وجه الجواز جائزا ولكن الآية على هذا لا تفيد كون الأصل في العقود اللَّزوم بل الصّحة فقط فيحتاج إلى تتبع أحوال أهل العرف ومتابعتهم في اللزوم والجواز بل لا تفيد الآية حينئذ إلَّا صحّة العقود المتداولة بينهم حين الخطاب فلا يمكن التمسّك بها لتصحيح ما شكّ في صحّة من العقود كما لا يخفى ثالثها انّ المراد انّ ما جوّزنا لكم وحلَّلناه ورتّبنا عليه الثّمرة من العقود فيجب عليكم الوفاء بمقتضاه مثل انّ عقد البيع في العرف كان هو نقل عين بعوض معلوم وقد صحّحه الشّارع وجوّزه ورتّب عليه الثّمرة الَّتي أراده وبقوله تعالى * ( أَحَلَّ ا لله الْبَيْعَ ) * ومثل عقد المضاربة الَّتي جوّزها بقوله * ( إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ ) * ثمَّ قال أوفوا به يعني يجب الوفاء بمقتضاه من النّقل بمعنى استمرار ملكيّة الطَّرفين لما ملكاه فالآية على هذا تثبت اللَّزوم في جميع العقود المجوّزة وامّا العقود الممنوعة كالرّبا والميسر وغيرهما فلا معنى لوجوب الوفاء بها بل لا يخفى عليك عدم إمكان التمسّك بالآية على هذا الصحة العقود المشكوك في صحّتها لحصره واجب الوفاء بما علم تجويز الشّارع له رابعها انّ المراد انّ ما بيّنا لكم جوازه من العقود وشرحنا لكم وميّزنا اللَّازمة منها عن الجائزة والرّاجحة عن المرجوحة فأوفوا بها على مقتضاه فاعتقدوا لزوم اللَّازمات واعملوا بمقتضاه وجواز الجائزات واعملوا بمقتضاه وهكذا أوفوا بجميع العهود الموثّقة والمواثيق المحكمة من الأيمان باللَّه واليوم الأخر وبتحليل ما أحلّ وتحريم ما حرّم والعمل بمقتضى ما فرضه من الفرائض والأحكام والحدود فتكون الآية من باب الإرشاد والوعظ والأمر بالمعروف لا من باب إنشاء الحكم واحداثه فلا يلزم على هذا الحكم بصحّة مشكوك الحال خامسها انّ المراد بالإيفاء وجوب القيام بمقتضى العقد والعهد ما دام المتعاقدان أو العاقد ان كان واحدا باقيا على العهد فما لم يرجعا أو أحدهما يكون الوفاء واجبا ومع رجوعهما أو أحدهما وفسخ العهد يرتفع الوجوب وذلك كما في الشّركة مثلا فانّ المرئين إذا اشتركا في رأس مال وشرطا ان يكون الرّبح بينهما بالمناصفة فإنّ أصل العقد وإن كان جائزا يجوز لكلّ منهما الرّجوع إلَّا أنّهما ما لم يرجعا يجب عليهما الوفاء بالشّرط وعلى هذا فلا تفيد الآية لزوم العقد بالمعنى المتعارف وان أفاد صحّة كلّ عقد إلى غير ذلك من الاحتمالات الَّتي ذكرها الفاضل النّراقي ( - ره - ) في عوائده أخذا الأربعة الأوّل من الفاضل القمي ( - ره - ) في رسالة الفرق بين الخلع والطَّلاق بعوض وأقول لا يخفى على الفطن الخبير انّ حمل الأمر على مجرّد رفع الحظر كما هو مقتضي الاحتمال الثّاني أو على الإرشاد كما هو مقتضي الاحتمال الرابع خلاف الظَّاهر وتقييد العقود بالمبيّن شرعا جوازها كما هو مقتضي الاحتمال الثالث تخصيص للعموم من غير مخصّص وتقييد من غير دليل فلا وجه للمصير اليه ومثله الحال في التقييد بحياة المتعاقدين أو العاقد إن كان واحدا فإنه مما يأباه عموم اللَّفظ فانّ الوفاء بشيء عرفا ولغة عبارة عن العمل بمقتضاه ومقتضي العقد امّا تمليك أو ما شابهه ومقتضى لزوم الوفاء به البقاء على هذا الأثر وإيفائه وجوبا فلا رخصة في إبطاله وهو المدّعى من اللَّزوم فإثبات الرّخصة بعد تلف أحد المتعاقدين عند التعدّد أو العاقد عند الاتّحاد ممّا لا دليل عليه فتبيّن من ذلك كلَّه دلالة ظاهر الآية على صحّة كلّ ما يسمّى عقدا عرفا ولزوم ترتيب الأثر إلى أن يثبت البطلان أو الجواز هذا كلَّه مضافا إلى ابتناء الوجه الثّالث والرّابع على كون اللام في العقود للعهد وستعرف إنشاء اللَّه تعالى انّ التحقيق خلافه قوله طاب ثراه فإذا حرم بإطلاق الآية ( - اه - ) ( 1 ) قال الشّيخ الوالد العلَّامة روحي فداه في غاية الآمال انّ استفادة هذا المعنى من الآية غير متوقّفة على دلالتها على العموم بحسب الزّمان بل هي موقوفة على مجرّد وجوب الوفاء بنفس مضمون العقد ومؤدّاه لأنّه إذا كان مؤدّى البيع مثلا ما يحدث أثرا مستمرا وهو ملك رقبة المال كعقد النّكاح المحدث أثرا مستمرّا هو الزوجية الدّائمة كان مقتضى وجوب الوفاء به عبارة عن الالتزام بذلك الأثر المستمرّ إذ لا معنى لوجوب الوفاء بالعقد الَّا الالتزام بمؤدّاه على وجهه والمفروض استمراره فلا يحتاج إلى دلالة لفظ الآية على العموم بحسب الأزمان ولهذه الدقيقة لم يحم ( - ره - ) حول دلالتها على ذلك وما قرع سمعك من البحث عن دلالتها على ذلك وعدمها فإنّما يظهر أثره في فوريّة شيء من الخيارات وعدم فوريّته قوله طاب ثراه فيستدل بالحكم التكليفي على الحكم الوضعي ( - اه - ) ( 2 ) يعني انّه إذا دلَّت الآية على حرمة التصرّف من أحد المتبايعين فيما انتقل عنه بعد فسخ من انتقل اليه انتزع من ذلك فساد الفسخ من كلّ منهما إذا لم يكن برضى الأخر ضرورة انّ عدم جواز التصرّف بعد الفسخ ليس الَّا معنى عدم تأثير الفسخ والَّا فلو اثّر الفسخ لكان التصرّف من المنتقل عنه في ملكه هذا بناء على جعل الأحكام الوضعيّة وامّا بناء على الانتزاع فأوضح إذ ليس فساد الفسخ ( - ح - ) إلَّا عبارة عن حرمة التصرّف فيما انتقل عنه قوله طاب ثراه وممّا ذكرنا ظهر ضعف ما قيل ( - اه - ) ( 3 ) لما بيّن تقريب الاستدلال بالآية أراد الإشارة إلى ردّ ما نوقش به في الاستدلال بها على اللزوم من انّ غاية ما في الآية انّما هو وجوب العمل بما يقتضيه العقد ان لازما فلازما وان جائزا فجائزا فاللام في الآية للإرشاد على حذر الأمر بوجوب العمل بالأحكام إن واجبا فواجبا وان ندبا فندبا إذ لا معنى لوجوب الوفاء بالعقد الجائز إلَّا ترتيب الأثر عليه ما لم ينفسخ ووجه ظهور ضعف هذه المناقشة ممّا سبق انّه فسّر فيما مرّ وجوب الوفاء بالعمل بما اقتضاه العقد في نفسه بحسب دلالته اللَّفظية واللَّزوم والجواز ليسا من مقتضيات العقد في نفسه بحسب دلالته اللَّفظية بل هما من الأحكام الشّرعيّة للعقد مضافا إلى اقتضاء إطلاق الآية حرمة جميع ما يكون نقضا لمضمون العقد وذلك يستلزم اللَّزوم مع انّ حمل الأمر على الإرشاد خلاف الظَّاهر لأنّ الأصل في الأمر ان يكون مولويّا وربّما نوقش في دلالة الآية على الصحة واللزوم بوجوه أخر أحدها انّ لازم الأخذ بعموم الآية هو الحكم بوجوب الوفاء بكلّ ما يخترع ويصدق عليه لغة وعرفا انّه عقد وذلك ممّا لا يمكن الالتزام به وينافيه حكمهم ببطلان جملة من العقود بل قيل انّ عدم وجوب الوفاء بكلّ مخترع يصدق عليه العقد مجمع عليه وهو ( - كك - ) ومقتضاه إجمال الآية إذ لا يعلم ( - ح - ) انّ الصّحيح ما هو والباطل ما هو وأجيب عنه بوجوه الأوّل ما صدر من الفاضل القمّي ( - ره - ) في رسالته المتقدّم إليها الإشارة من حمل العقود على المتعارفة قال انّ العقود المتعارفة المتداولة في زمان نزول الآية من البيع والنّكاح والصّلح والهبة والإجارة ونحوها مما ذكره الفقهاء ( - رض - ) لا ريب في تعارفها وتداولها في ذلك الزّمان أيضا وانّما هي المتداولة في زماننا هذا والأصل عدم التّغيير واستدلالاتهم يرجع إلى إثبات هذه