ينتفع به ويركن إليه في الأمور الَّتي يرجع فيها اليه هو من كان معروفا بملكة الدّيانة والورع عن محارم اللَّه ومن عرف عنه هذه الحالة لا انّ العدل في نفسه هو هذا وذلك لأنّ من المتّفق عليه بينهم ان تحقّق الدّين في نفس الأمر معتبر في العدالة فاعتبار معروفيّته بالدّين قرينة واضحة على ارادته تفسير العدل المعلوم عدالته والَّا لكان حق التعبير ان يقول من كان مؤمنا معروفا بالورع فانّ كلامهم انّما هو في الورع عن محارم اللَّه تعالى انّه معتبر في الواقع أو في الظَّاهر وهذا واضح للمتأمّل مع انّه لا دلالة فيه على الاكتفاء بمجرّد الإسلام وعدم ظهور الفسق بل ظاهره اعتبار معرفة الملكة منه ويزيدك توضيحا وشرحا لمرادهم ملاحظة كلمات معاصريهم وملاحظة كلماتهم في سائر المقامات سيّما عبارة الشيخ ( - ره - ) في سائر كتبه كالنّهاية الَّتي عبّر فيها عن العدالة بعبارة صحيحة ابن أبي يعفور الصّريحة في انّها ملكة العفاف والسّتر والمبسوط على ما سيأتي عبارته وقس عليهما كلمات من يقتنع بحسن الظَّاهر فإنّها بين ظاهرة وصريحة فيما قلناه فلا حاجة إلى إطالة الكلام بذكرها أمّا أدلَّتهم فإنّها ليست الَّا الاخبار الَّتي تأتي إنشاء اللَّه ( - تعالى - ) وهي صريحة أيضا في انّها في مقام ذكر معرّف العدالة لا نفسها وامّا فهم الأساطين ورؤساء الفنّ من كلماتهم ما ذكرناه فشواهده ( - أيضا - ) كثيرة بل لم نر من فهم منها خلاف ما ذكر إلَّا شرذمة من متأخّري المتأخرين قال لسان القدماء المحقّق ( - قدّه - ) في المسئلة الثامنة من النّظر الثاني من قضاء الشرائع ما لفظه الحاكم ان عرف عدالة الشاهدين حكم وان عرف فسقهما اطرح وان جهل الأمرين بحث عنهما وكذا لو عرف إسلامهما وجهل عدالتهما توقّف حتّى يتحقّق ما يبنى عليه من عدالة أو جرح وقال في ( - ف - ) يحكم به وبه رواية شاذّة انتهى وهو ظاهر أو صريح في انّ الشيخ ( - ره - ) قائل بأنّ الإسلام وعدم ظهور القبيح مظهر العدالة لا انّه هي وتبعه في ذلك غيره وأوضح شاهد على هذا المعنى انّه كغيره ذكر أوّلا الحكم الأوّل كالمفروع عنه بحيث يظهر منه انّ الشيخ ( - ره - ) موافق له فيه وانما خلافه معه في الكاشف والمظهر وأصرح منه ذكر الشهيد ( - ره - ) في ( - س - ) ومحكي كرى القولين في عنوان ما يعرف به العدالة قال في ( - س - ) وتعلم العدالة بالشياع والمعاشرة الباطنة وصلاة العدلين خلفه ولا يكفي الإسلام في معرفة العدالة خلافا لابن الجنيد ( - ره - ) ولا التّعويل على حسن الظاهر على الأقوى انتهى وتبعه على ذلك الخراساني في الذّخيرة والمحقّق الثّاني في محكي الجعفريّة وغيرهما ويدلَّك على هذا المعنى بأوضح دلالة دعوى جمع الاتفاق على انّها عبارة عن الملكة النفسانيّة الباعثة على ملازمة التقوى مثل الشيخ نجيب الدين العاملي ( - ره - ) حيث نسبه في محكي كلامه إلى العلماء ومثل السّيوري ( - ره - ) في كنز العرفان حيث نسبه إلى الفقهاء ( - رض - ) ومثل المحقّق الأردبيلي ( - ره - ) حيث نسبه في مجمعه إلى الموافق والمخالف واحتمال عدم اعتدادهم بأصحاب هذين القولين مع كثرتهم سيّما أصحاب القول بحسن الظَّاهر في دعويهم الاتّفاق قدح في أساطين الفنّ ورؤساء المذهب وقال في ( - لك - ) مع ما فيها من الاضطراب في التعبير عن هذين القولين في شرح قول المحقّق ( - ره - ) ولا يجوز التعويل في الشهادة على حسن الظَّاهر ما لفظه ومن اكتفى بالإسلام وجعله دالَّا على العدالة اكتفى بحسن الظَّاهر بطريق أولى انتهى وامّا ثانيا فلأنّه لو كان مذهب هؤلاء الأساطين انّ نفس العدالة هو الإسلام وعدم موجب الجرح أو حسن الظَّاهر لزمهم محذور لا يلتزم به ذو أدنى مسكة فكيف بأعلام العقلاء وذلك لانّ من المقرّر عندهم انّ الفسق عبارة عن الخروج عن طاعة اللَّه وانّ العدالة والفسق متضادّان لا يجتمعان بحال ومن البيّن انّ الإسلام وعدم ظهور الفسق لا مضادّة له مع الفسق الَّذي هو الخروج عن طاعة اللَّه سبحانه وهكذا حسن الظَّاهر إذ كثيرا ما يكون الإنسان مدلَّسا في نفسه فاسقا في عقر داره الَّا انه بظاهر حاله لم يظهر منه فسق للنّاس بل ما رأوا منه الَّا الخير وعلى هذه الحكاية يلزمهم ان يلتزموا بأحد أمرين امّا تجويز اجتماع الضدّين ضرورة انه يصدق في حق هذا الرّجل المدلَّس انّه مسلم حسن الظَّاهر لم يظهر منه فسق وانّه خارج عن طاعة اللَّه تعالى أو قارب المعصية أو الالتزام بكون العدالة من الأمور الَّتي يكون وجودها الواقعي عين وجودها الذّهني وكون الفسق الَّذي هو من الأمور الواقعيّة على واقعيّة مضادّا لها فيكون قولهم على حدّ قولك الحركة وعدم ظهور السّكون ضدّان بل يلزمهم انّه لو فرض عدم وجود أحد في العالم الَّا عدل واحد ان لا يوصف بالعدالة لعدم وجود من يظهر عنده عدم الفسق أو حسن الظَّاهر اللَّهم الَّا ان يتكلَّف عن الأوّل بأنّ الفسق ( - أيضا - ) من الأمور الظَّاهريّة ويعبّر عنه بمن ظهر عنده العصيان وعن الثاني بأنّ المراد بالعدل العدل الشّأني ولكنّك خبير بفساد التكلَّف كفساد اللَّوازم بل لعلَّه دفع فاسد بالأفسد ضرورة انّ لازم التكلَّف المذكور ان يحكم بكون العلم بعصيان الإنسان مفسّقا وعدم العلم به معدّلا وانّ من كان ظاهر الصّلاح في مدّة سنين ثمَّ ظهر كونه عاصيا في نفسه في تلك المدّة ان يقولوا في حقّه كان عدلا واقعيّا فصار بطريان العلم بحاله فاسقا وإن كان طريان العلم في زمان حصلت له ملكة العدالة إلى غير ذلك من المفاسد الَّتي لا يمكن الالتزام بها وبالجملة لا ينبغي الرّيب في انّ ذكر هذين القولين في هذا المقام سهو بيّن من ذاكرهما نعم ربّما يوجد في بعض عبائرهم حمل العدالة على حسن الظَّاهر أو على الإسلام أو على عدم ظهور الفسق أو العكس وهو تعبير تسامحىّ وإسناد مجازيّ وكان النّكتة فيه التنبيه على زيادة الاهتمام بذكر طريقين تعبّديين كالأصول العملية إلى حدّ كانّ الشارع هجر الواقع ولم يحمل احكام العدل الَّا عليهما زعما منهم انّ روايات الباب ناطقة بهذا المعنى على ما ستأتي الإشارة إليها وغير ذلك وهذا واضح لمن تأمّل كلماتهم أدنى تأمّل بل ربّما يوجد في كلامهم التّسامح بما يزيح العلَّة كما وقع ذلك لثاني الشّهيدين ( - رهما - ) في ( - لك - ) و ( - الروضة - ) ولا أظنّك بعد ما اصغيناك من البيان تحوم حول هذه الحكاية وتتوهّم وجود هذين القولين وربّما احتمل تنزيل عبارة ( - ف - ) السّابقة وهي قوله الَّذي يعرف إسلامه ولا يعرف فيه جرح على كلّ من القول الثّاني والثّالث والرّابع نظرا إلى انّها وإن كانت في مقام ذكر تعريف العدالة الَّا انّه يمكن تطبيقها على كلّ من الثلاثة بان يكون العدالة في نظره هو الإسلام وعدم الفسق جاعلا لعدم ظهور الفسق دليلا على عدمه أو مجرّد عدم الفسق ويكون ذكر الإسلام من باب المورد والمقسم لا من باب جزء المعرّف أو خصوص الملكة ويكون الإسلام دليلا عليها وعدم وجدان موجب الجرح دليلا على عدم وجوده هذا ولكنّ الأظهر في محتملاته بحسب ظاهر عبارته هو الأوّل وبحسب ذيل كلامه هو الأخير امّا ظهور نفس لفظه في الأوّل فلمّا مر وامّا ظهوره بمعونة ذيله في الأخير فلان قوله أخيرا و ( - أيضا - ) الأصل في المسلم العدالة والفسق طار لا يلائم شيئا من الأوّلين وذلك لانّ مراده من الأصل ليس هو القاعدة والَّا لكان مصادرة ضرورة أنّ دعواه من أوّل الأمر ليست الَّا انّ القاعدة كون الإسلام وعدم ظهور الفسق عدالة وليس مراده بالأصل هو الأصل العملي من البراءة والاشتغال والاستصحاب والتخيير لعدم التيام شيء منها كما لا يخفى بل المراد به الظَّاهر فمعناه انّ الظاهر من حال المسلم العدالة لاقتضاء إسلامه لها فاسلامه بحكم الظَّهور دليل ومقتضى لعدالته ومن