وأيضاً مقتضى ما ذكره في آخر كلامه تخلّل الواسطة بين الإخبار والشهادة . لكنّك خبير بأنّ الواسطة بينهما غير معقولة ، كيف لا ، ولا واسطة بين الإخبار والإنشاء . [ القول بدلالة الخبر على الصدق والردّ عليه ] ثمّ إنّه قد حكم التفتازاني في شرحه المطوّل على التلخيص في أوائل بحث الإسناد الخبري - تبعاً لما نقله عن بعض المحقّقين المقصود به المحقّق الرضي - بأنّ الخبر يدلّ على الصدق ، وأمّا الكذب فليس بمدلوله بل هو نقيضه ، قال : وقولهم : يحتمله ، لا يريدون أنّ الكذب مدلول اللفظ كالصدق ، بل المراد أنّه يحتمله من حيث إنّه هو ، أي لا يمتنع عقلا أن لا يكون مدلول اللفظ ثابتاً ، ومقتضاه أصالة صدق الخبر كما حكم بها مَنْ غرّ عن ذلك ( 1 ) . أقول : إنّ الصدق إنّما هو مطابقة الخبر للواقع بناءً على كون المدار في الصدق والكذب على المطابقة والمخالفة للواقع ، لا الاعتقاد ، كما هو المشهور والمنصور ، حيث إنّ الصدق - كالكذب - صفة للخبر ، ولا يكون الصدق نفس الواقع . كيف لا ، ومن الواضح غاية الوضوح أنّ قيام زيد - مثلا - لا يتّصف بالصدق لو قيل : " قام زيد " و " كان زيد قائماً " ولا مجال لدلالة الخبر على مطابقته للواقع . كيف لا ، ولا مجال لدلالة الذات على وصفه ، مع أنّ الخبر بنفسه بالنسبة إلى مطابقته للواقع ومخالفته له على السواء ، فلا وجه لدلالته على المطابقة للواقع . والظاهر أنّ منشأ الحديث اشتباه المطابقة للواقع بالواقع ؛ إذ لو قيل مثلا : " قام زيد " و " كان زيد قائماً " فقيام زيد مدلول الخبر ، إلاّ أنّه مبنيّ على فرض تحقّق القيام لزيد في الواقع ، فلا تتأتّى الدلالة على الصدق بالكلّيّة ولو كان الصدق هو الواقع .