نام کتاب : المستصفى نویسنده : الغزالي جلد : 1 صفحه : 372
وقد كثر ضلال الناظرين فترك الخطر وطلب السلامة أولى ؟ قلنا : وقد كثر ضلال المقلدين من اليهود والنصارى ، فبم تفرقون بين تقليدكم وتقليد سائر الكفار حيث قالوا : انا وجدنا آباءنا على امه ؟ ثم نقول : إذا وجبت المعرفة كان التقليد جهلا وضلالا ، فكأنكم حملتم هذا خوفا من الوقوع في الشبهة كمن يقتل نفسه عطشا وجوعا خيفة من أن يغص بلقمة أو يشرق بشربة لو أكل وشرب ، وكالمريض يترك العلاج رأسا خوفا من أن يخطئ في العلاج ، وكمن يترك التجارة والحراثة خوفا من نزول صاعقة فيختار الفقر خوفا من الفقر . الشهبة الثانية : تمسكهم بقوله تعالى : * ( ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا ) * ( غافر : 4 ) وأنه نهى عن الجدال في القدر ، والنظر يفتح باب الجدال ؟ قلنا : نهى عن الجدال بالباطل كما قال تعالى : * ( وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق ) * ( غافر : 5 ) بدليل قوله تعالى : * ( وجادلهم بالتي هي أحسن ) * ( النحل : 521 ) فأما القدر فنهاهم عن الجدال فيه ، إما لأنه كان قد وقفهم على الحق بالنص فمنعهم عن الممارة في النص ، أو كان في بدء الاسلام ، فاحترز عن أن يسمعه المخالف فيقول : هؤلاء بعد لم تستقر قدمهم في الدين ، أو لانهم كانوا مدفوعين إلى الجهاد الذي هو أهم عندهم ، ثم إنا نعارضهم بقوله تعالى : * ( ولا تقف ما ليس لك به علم ) * ( الاسراء : 63 ) * ( وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ) * ( البقرة : 961 ) * ( قل هاتوا برهانكم ) * ( البقرة : 111 ) هذا كله نهي عن التقليد وأمر بالعلم ، ولذلك عظم شأن العلماء ، وقال تعالى : * ( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ) * ( المجادلة : 11 ) وقال عليه السلام : يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين ، وتأويل الجاهلين ، وانتحال المبطلين ولا يحصل هذا بالتقليد بل بالعلم ، وقال ابن مسعود : لا تكونن إمعة ، قيل : وما إمعة ، قال : أن يقول الرجل أنا مع الناس إن ضلوا ضللت وإن اهتدوا اهتديت ألا لا يوطنن أحدكم نفسه أن يكفر إن كفر الناس . - مسألة ( تقليد العامي للعلماء ) العامي يجب عليه الاستفتاء واتباع العلماء ، وقال قوم من القدرية : يلزمهم النظر في الدليل واتباع الامام المعصوم ، وهذا باطل بمسلكين : أحدهما : إجماع الصحابة ، فإنهم كانوا يفتون العوام ولا يأمرونهم بنيل درجة الاجتهاد ، وذلك معلوم على الضرورة والتواتر من علمائهم وعوامهم ، فإن قال قائل من الامامية : كان الواجب عليهم اتباع على لعصمته ، وكان علي لا ينكر عليهم تقية وخوفا من الفتنة ؟ قلن : هذا كلام جاهل سد على نفسه باب الاعتماد على قول علي وغيره من الأئمة في حال ولايته إلى آخر عمره ، لأنه لم يزل في اضطراب من أمره ، فلعل جميع ما قاله خالف فيه الحق خوفا وتقية . المسلك الثاني : إن الاجماع منعقد على أن العامي مكلف بالأحكام ، وتكليفه طلب رتبة الاجتهاد محال ، لأنه يؤدي إلى أن ينقطع الحرث والنسل ، وتتعطل الحرف والصنائع ، ويؤدي إلى خراب الدنيا لو اشتغل الناس بحملتهم بطلب العلم ، وذلك يرد العلماء إلى طلب المعايش ، ويؤدي إلى اندراس العلم ، بل إلى إهلاك العلماء وخراب العالم ، وإذا استحال هذا لم يبق إلا سؤال العلماء ، فإن قيل : فقد أبطلتم التقليد ، وهذا عين التقليد ؟ قلنا : التقليد قبول قول بلا حجة ، وهؤلاء وجب عليهم ما أفتى به المفتي بدليل الاجماع ، كما وجب على الحاكم قبول قول الشهود ،
نام کتاب : المستصفى نویسنده : الغزالي جلد : 1 صفحه : 372