نام کتاب : المستصفى نویسنده : الغزالي جلد : 1 صفحه : 345
حق المجتهد المطلق الذي يفتي في جميع الشرع ، وليس الاجتهاد عندي منصبا لا يتجزأ بل يجوز أن يقال للعالم بمنصب الاجتهاد في بعض الأحكام دون بعض ، فمن عرف طريق النظر القياسي فله أن يفتي في مسألة قياسية وإن لم يكن ماهرا في علم الحديث ، فمن ينظر في مسألة المشتركة يكفيه أن يكون فقيه النفس عارفا بأصول الفرائض ومعانيها ، وإن لم يكن قد حصل الاخبار التي وردت في مسألة تحريم المسكرات أو في مسألة النكاح بلا ولي ، فلا استمداد لنظر هذه المسألة منها ، ولا تعلق لتلك الأحاديث بها ، فمن أين تصير الغفلة عنها أو القصور عن معرفتها نقصا ، ومن عرف أحاديث قتل المسلم بالذمي وطريق التصرف فيه فما يضره قصوره عن علم النحو الذي يعرف قوله تعالى : * ( وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين ) * ( المائدة : 6 ) وقس عليه ما في معناه ، وليس من شرط المفتي أن يجيب عن كل مسألة ، فقد سئل مالك رحمه الله عن أربعين مسألة فقال في ستة وثلاثين منها : لا أدري ، وكم توقف الشافعي رحمه الله ، بل الصحابة في المسائل ، فإذا لا يشترط إلا أن يكون على بصيرة فيما يفتي فيفتي فيما يدري ويدري أنه يدري ، ويميز بين ما لا يدري وبين ما يدري فيتوقف فيما لا يدري ويفتي فيما يدري . الركن الثالث المجتهد فيه : والمجتهد فيه كل حكم شرعي ليس فيه دليل قطعي ، واحترزنا بالشرعي عن العقليات ومسائل الكلام ، فإن الحق فيها واحد والمصيب واحد والمخطئ آثم ، وإنما نعني بالمجتهد فيه ما لا يكون المخطئ فيه آثما ، ووجوب الصلوات الخمس والزكوات وما اتفقت عليه الأمة من جليات الشرع فيها أدلة قطعية يأثم فيها المخالف فليس ذلك محل الاجتهاد ، فهذه هي الأركان ، فإذا صدر الاجتهاد التام من أهله وصادف محله كان ما أدى إليه الاجتهاد حقا وصوابا كما سيأتي ، وقد ظن ظانون أن شرط المجتهد أن لا يكون نبيا ، فلم يجوزوا الاجتهاد للنبي وأن شرط الاجتهاد أن لا يقع في زمن النبوة ، فنرسم فيه مسألتين . - مسألة ( الاجتهاد في حياة النبي ( ص ) ) اختلفوا في جواز التعبد بالقياس والاجتهاد في زمان الرسول عليه السلام ، فمنعه قوم ، وأجازه قوم ، وقال قوم : يجوز للقضاة والولاة في غيبته لا في حضور النبي صلى الله عليه وسلم ، والذين جوزوا منهم من قال يجوز بالاذن ، ومنهم من قال : يكفي سكوت رسول الله ( ص ) ، ثم اختلف المجوزون في وقوعه ، والمختار أن ذلك جائز في حضرته وغيبته ، وأن يدل عليه بالاذن أو السكوت ، لأنه ليس في التعبد به استحالة في ذاته ، ولا يفضي إلى محال ولا إلى مفسدة ، وإن أوجبنا الصلاح فيجوز أن يعلم الله لطفا يقتضي ارتباط صلاح العباد بتعبدهم بالاجتهاد لعلمه بأنه لو نص لهم على قاطع لبغوا وعصوا ، فإن قيل ، الاجتهاد مع النص محال ، وتعرف الحكم بالنص بالوحي الصريح ممكن ، فكيف يردهم إلى ورطة الظن ؟ قلنا : فإذا قال لهم : أوحي إلي أن حكم الله تعالى عليكم ما أدى إليه اجتهادكم ، وقد تعبدكم بالاجتهاد ، فهذا نص ، وقولهم : الاجتهاد مع النص محال مسلم ، ولكن لم ينزل نص في الواقعة ، وإمكان النص لا يضاد الاجتهاد وإنما يضاده نفس النص ، كيف وقد تعبد النبي ( ص ) بالقضاء بقول الشهود حتى قال : إنكم لتختصمون
نام کتاب : المستصفى نویسنده : الغزالي جلد : 1 صفحه : 345