فيصير موضوع القضية خبر الفاسق ومحمولها عدم جواز العمل قبل التبين ، فلا تعليق هنا كي يدل على انتفاء الحكم عند انتفائه . نعم ، يمكن أن يقال : إن اقتران الخبر بكون الجائي فاسقا قيد زائد على الموضوع والمحمول ، فيدل على كون هذا القيد دخيلا في هذا الحكم بمعنى أن النبأ بما هو نبأ ليس تمام الموضوع لوجوب التبين ، بل هو مع قيد آخر بضميمة ما قد بيناه في بحث المفهوم والمنطوق أن كل قيد اخذ زائدا على موضوع القضية ومحمولها فله دخل في تحقق ذلك الحكم ، أما لدلالته على عدمه عند عدمه حتى يعارض الدليل الدال على خلاف هذا فلا [1] ، فافهم . واعلم أنا قد بينا سابقا في بحث المفهوم أن دلالة القيود على أصل الكلام على دخالتها في الحكم ليس بدلالة المطابقة أو المتضمن أو الالتزام ، وإلا يلزم كونها منطوقية لا مفهومية وقد قلنا إنها نحو من الدلالة التكلم - بما هو فعل من الافعال - فكما أن أصل الكلام إذا صدر يحمل على أنه كان لغرض فكذا فيوده ، والغرض لابد أن يكون هناك الافادة ، والافادة المتصورة هناك هي كونها دخيلا في تحقيق الحكم . ولا فرق بين الشرط والغاية وغيرها من القيود الزائدة على أصل الكلام . وحيث إن المتقدمين من الأصوليين لم يفوقوا بينهما استدلوا بهذه الآية ( آية
[1] أقول : يمكن أن يقال : إن مفهوم قوله تعالى : إن جاءكم فاسق . . . الخ أنه إن لم يجئكم فاسق فلا يجب التبين ، ولعدم مجئ الفاسق فردان : ( أحدهما ) أن لا يكون هناك خبر أصلا ( ثانيهما ) أن يكون الجائي به عادلا فيصدق أيضا أنه لم يجئ به الفاسق نظير إن رزقت ولدا ذكرا فاختنه ، فلمفهومه مصداقان ( أحدهما ) عدم وجود الولد أصلا ( ثانيهما ) كون الولد أنثى فيصدق أنه لم يرزق ولدا ذكرا ، هذا ولكن الحق ما أفاده الأستاذ مد ظله العالي ، وهو عدم وجود المفهوم فإن حيثية العدالة والفسق وصفان للمخبر ، فحيث قد قيد وجوب التبين بأحدهما فيدل على أن لهذه الصفة دخلا للحكم ولا ربط له بالتعليق أصلا ، حتى أنه لو لم يعلق لكان له هذا المعنى ، والله العالم . ( المقرر ) .