لماذا لم يكن ابن شهاب الزهري يعيد أحاديثه مرتين؟

وردت نصوص كثيرة أكدت جميعها على ان ابن شهاب الزهري كان يرفض إعادة الحديث الواحد لمرتين على من كانوا يحضرون عنده مجالس الحديث، فعن مالك بن أنس قال: (أخذت بلجام بغلة الزهري فسألته أن يعيد علي حديثا فقال ما استعدت حديثا قط)([172]).

وعن مالك أيضا قال: (حدثني ابن شهاب بحديث فيه طول وأنا آخذ بلجام دابته فقلت له أعد علي فقال لا. قلت له أريت أنت أما كنت تحب أن يعاد عليك قال لا فقلت له كنت تكتب قال لا)([173]).

والذي ظهر لي من خلال التأمل في أخبار ابن شهاب الزهري هذا، ان رفضه لإعادة الحديث الواحد وتكريره كان يعود إلى سببين مهمين:

الأول: عدم حفظ الزهري للحديث النبوي الشريف وعدم دقته في النقل، لذلك كان يستصعب إعادة الحديث بنفس إسناده ومتنه، ويرى بان إعادة الحديث الواحد مرتين اشد عليه من نقل الصخر، فعن سفيان بن عيينة عن الزهري انه قال: (إعادة الحديث أشد من نقل الصخر)([174])، فلو كان الزهري حافظا متقنا فلماذا تصبح إعادة الحديث الواحد بنفس الإسناد والمتن أصعب عليه من نقل الحجر؟.

الثاني: ان عدم حفظه وإتقانه للحديث الشريف أدى إلى وقوعه في مشكلة عظيمة، وهي عدم تمكنه من أداء الألفاظ كما سمعها وكما صدرت من فم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، واعتماده على رواية الأحاديث بالمعنى، مع اعتقاده بصحة التقديم والتأخير في فقرات الحديث وعباراته وجوازه، فعن أبي أويس قال: (سألت الزهري عن التقديم والتأخير في الحديث فقال: هذا يجوز في القرآن فكيف به في

[172] التمهيد لابن عبد البر ج6 ص107، تاريخ مدينة دمشق ج55 ص327.

[173] تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ج 55 ص 327.

[174] تهذيب الكمال للمزي ج 26 ص439.