وصارت زعيمة المعارضة ورأس الحربة التي طالما طعنت نحور أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وصدورهم، والتي ثبت في الخبر الصحيح أنها تظاهرت على رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم هي وصاحبتها مرارا وتكرارا، حتى نزل فيهما قرآن يتلى آناء الليل وأطراف النهار، فما زال قوله سبحانه في سورة التحريم ((إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ * عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا))([922]) يشهد على فعلتهما، ويصدح بمعاناة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم من هاتين المرأتين اللتين كانتا تغضبان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى يبقى عامة يومه غضبان، وإذا بين ليلة وضحاها تصبح من كانت تغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حبيبته، وصارت من تتظاهر عليه وتتآمر لها فضل كفضل الثريد على سائر الطعام، وأصبحت بعد أن لم تكن، أفضل زوجاته صلى الله عليه وآله وسلم وأقرب إليه من بناته.

فيوم السقيفة لم يكن انقلابا عسكريا أو سياسيا أو حكوميا فحسب، بل كان انقلابا أخلاقيا عقائديا مبدئيا بالدرجة الأولى، غير جميع القيم، وزيف كل الحقائق التي كانت كالشمس على عهد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، صير السادة أتباعا، وجعل من الأتباع ملوكا.

وواحدة من الحقائق التي زيفت وطمست وبدلت وحيكت حولها المؤامرات والخطط والمكائد بعد يوم السقيفة المشؤوم، هي حقيقة كون

[920] صحيح البخاري ج 3 ص 58.

[921] البداية والنهاية لابن كثير ج 3 ص 36 ــ 37.

[922] سورة التحريم الآية 4 ــ5.