13: ثم جاء هشام بن عبد الملك ليبدأ خطوة مضادة لخطوة عمر بن عبد العزيز، عن طريق تدوين السنة، ولكن لا السنة النبوية، وإنما سنة عثمان ومعاوية ابن أبي سفيان، التي حاول عمر بن عبد العزيز الخروج عنها، فدونت السنة بالاستعانة بابن شهاب الزهري الذي دون السنة بالإكراه كما يزعمون، ولكن هذا التدوين ــ ولشديد الأسف ــ لم يكن نزيها، ولم يكن يحمل صفة الصدق والأمانة العلمية، إذ دست الدولة الأموية في كتب ابن شهاب الزهري وأحاديثه ما لا يعلمه إلا الله سبحانه، هذا من جهة، ومن جهة ثانية، إنّ الزهري الذي اعتمدت عليه الدولة في تدوين السنة لم يكن على مستوى كاف من العلم والأمانة والصدق، فكان يروي الأحاديث النبوية بالمعنى دون النص، ولم يكن يمانع في التقديم والتأخير لفقرات الحديث الواحد، إلى غير ذلك من الأسباب، والتي تجعل من عملية التدوين هذه عملية غير دقيقة ومتحيزة وغير علمية بالكامل.

والتاريخ لم يحدثنا عن تدوين لأحكام أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وفضائلهم في هذه المرحلة من مراحل تطور السنة والحديث النبوي، بل إن احد أهم أسباب استعجال الدولة الأموية في تدوين السنة هو فتح الإمامين الباقر والصادق صلوات الله وسلامه عليهما باب الرواية والعلم على مصراعيه، فكانا صلوات الله وسلامه عليهما لا يمنعان من تدوين الآخرين لأقوالهم وأحاديثهم بعكس باقي محدثي العامة، فنشروا من السنة النبوية الأصيلة والموروثة عندهم في الصحيفة الجامعة وغيرها، فدونها طلابهم ومن ثم انتقلت لعامة الخلق، فرأى عمر بن عبد العزيز وهشام بن عبد الملك، أن إبقاء باب التدوين للسنة النبوية ولسنة الشيخين مغلقا سيؤدي إلى هيمنة سنة الإمامين الباقر والصادق صلوات الله وسلامه عليهما ونسيان سنن الشيخين وعثمان وعائشة وآل أمية واضمحلالها، لان البقاء يكون للعلم المدون