وقد زادوا الطين بلة حينما لم يكتفوا بالاعتراف بعدم وجود قواعد وأسس منطقية لعملية التقييم، فأوجب كثير منهم اتباع المتأخرين لحكم المتقدمين وتقليدهم في جرحهم وتوثيقهم وتصحيحهم وتضعيفهم من دون السؤال عن أسباب قدحهم ودواعي جرحهم، وفي هذا الصدد يقول إسماعيل بن كثير الشافعي: (أما كلام هؤلاء الأئمة المنتصبين لهذا الشأن، فينبغي أن يؤخذ مسلماً من غير ذكر أسباب، وذلك للعلم بمعرفته، واطلاعهم واضطلاعهم في هذا الشأن، واتصافهم بالإنصاف والديانة والخبرة والنصح)([526]).

فيتضح من ذلك ان القدماء في حكمهم على الأحاديث ليس لهم قواعد محددة ومتفق عليها، فهم كما صرح بعضهم يتبعون حالة نفسية تهجم عليهم فيحكمون على الأحاديث بما يتلاءم وتلك الحالة، ولو سلمنا جدلا بوجود قواعد لهم فانهم لا يلتزمون بها من الناحية العملية التطبيقية، وقد أشار إلى هذه الحقيقة الزركشي في (النكت على مقدمة ابن الصلاح) إذ قال وهو يتحدث عن مسألة زيادة الثقة ومدى قبولها: (الذي يظهر من كلامهم خصوصا المتقدمين كيحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي ومن بعدهما كأحمد بن حنبل وعلي بن المديني ويحيى بن معين وهذه الطبقة ومن بعدهم كالبخاري وأبي زرعة وأبي حاتم الرازيين ومسلم والترمذي والنسائي وأمثالهم والدارقطني والخليلي كل هؤلاء مقتضى تصرفهم في الزيادة قبولا وردا الترجيح بالنسبة إلى ما يقوى عند الواحد منهم في كل حديث ولا يحكمون في المسألة بحكم كلي يعم جميع الأحاديث وهذا هو الحق)([527]).

[526] الباحث الحثيث في اختصار علوم الحديث لإسماعيل بن كثير الشافعي ص11.

[527] النكت على مقدمة ابن الصلاح لبدر الدين الزركشي ج2 ص175 ــ 176.